الأربعاء، 27 يناير 2010

بحث في مفهوم القيم الخلقية

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين...وبعد
اهمية الموضوع:
هذا بحث مختصر في مفهوم القيم الاخلاقية والتي لها دور فاعل في حياة المجتمعات ،إذ بها رقي المجتمع وازدهاره،إن القيم في الاسلام ليست مجرد شعارات ترفع ولا كلاما يردد بل هي واقع معاش يستقيه المسلمون من مصادر الدين القويم (الكتاب والسنة) ،مما جعلها ثابتة مستقرة بثبات الوحيين الى يومنا هذا ،بخلاف القيم عند غير المسلمين فمازالت تتبدل وتتحول حتى وصلوا الى ما وصلوا اليه من انحلال وفساد اخلاقي.

اسباب اختيار الموضوع:
ان المتتبع لاحوال المجتمعات يجد بونا شاسعا بين الواقع والمأمول منها ،وما ذلك الا لانتشار الجهل وضعف التمسك بالدين الاسلامي ومصادره لذلك آثرت ان يكون مجال بحثي في القيم الخلقية للاسباب التالية:
1:ابراز مفهوم القيم الخلقية، وتوضيح معناها.
2:معرفة المصادر التي تستقى منها القيم الخلقية وتوضيحها.
3:ابراز بعض الماذج للقيم الاسلامية الاصيلة .
4:توضيح اهمية القيم الخلقية للافراد والمجتمعات.

منهج البحث:
أما منهجي في البحث فقد سلكت في بحثي هذا المنهج الاستنباطي ،وقسمت بحثي الى فصل واحد يحوي خمسة مباحث وقد قسمت كل مبحث الى مطالب بحسب الحاجه الى ذلك،وقد حرصت على التوثيق وذكر المرجع، بذكر رقم الآية واسم السورة فيما يتعلق بالقران الكريم ،وذكر رقم الحديث ودرجته وراويه فيما يتعلق بالحديث الشريف،اما المراجع الاخرى فأوثق لها بالهامش بذكر اسم الكتاب ومؤلفه ورقم الصفحة والجزء إن وجد ،أما بقية معلومات المرجع فاذكرها في خاتمة البحث في قائمة المراجع ،وأما المراجع الاليكترونية فقد حرصت على التوثيق لها بذكر عنوان الصفحة وعنوان المقالة او البحث وكاتبه.



خطة البحث:
المقدمة وتشتمل على :
-اهمية الموضوع.
-اسباب اختيار الموضوع.
-منهج البحث.
-خطة البحث.
-شكر وتقدير

الفصل الأول:في مفهوم القيم الاخلاقية:
وتندرج تحته خمسة مباحث:
المبحث الاول:مفهوم القيم الاخلاقية:وفيه مطالب
المطلب الاول :تعريف القيم الاخلاقية.
المطلب الثاني:القيم الاخلاقية في الفكر الاسلامي.
المبحث الثاني:مصادر القيم الاخلاقية:وفيه مطالب:
المطلب الاول:القران الكريم.
المطلب الثاني:السنة النبوية.
المطلب الثالث:الاجماع
المطلب الرابع:القياس.
المبحث الثالث:نماذج للقيم الاخلاقية:وفيه مطالب:
المطلب الاول الصدق.
المطلب الثاني:الامانة.
المبحث الرابع:مبادئ القيم.
المبحث الخامس:أهية القيم.

ثم الخاتمة تليها قائمة بمراجع البحث ثم فهرس للآيات يليه فهرس لمواضيع البحث..

شكر وتقدير:
وفي هذه المقدمة أتوجه لرب العزة والجلال بالحمد والثناء لما وفقني اليه من اتمام هذا البحث ،ثم لأستاذ المادة الذي بين لنا مفاتيح البحث فيها ،كما أتوجه بالشكر والتقدير لكل من ساعدني في البحث بتوجيه او اضافة اوتيسير لبعض متطلبات البحث
والله الموفق والهادي الى سواء السبيل..


الفصل الأول:
في مفهوم القيم الاخلاقية

المبحث الاول:مفهوم القيم الاخلاقية:
في هذا المبحث سأحاول ايضاح مفهوم القيم الخلقية عامة ومفهوم القيم الخلقية في الفكر الاسلامي.

المطلب الاول:تعريف القيم الاخلاقية:
عرفت القيم الاخلاقية عند القدماء بأنها (علم يعرف به حال النفس من حيث ماهيتها وطبيعتها وعلة وجودها وفائدتها وما هي وظيفتها التي تؤديها وما الفائدة من وجودها ،وعن سجاياها واميالها وما ينقلها بسبب التعاليم عن الحالة الفطرية ،وذُكر أن هذا أول علم تأسس منذ بدء الخليقة )[1]
ويعرف أبو بيه القيم الخلقية بأنها: (ذلك الجانب في الشخصية الذي يمكن الفرد من اصدار الحكم الاخلاقي الذي يتفق مع طبيعة الاعراف والقوانين التي تسود في بيئته وتتوافق كذلك مع قناعته الشخصية وضميره ،ذلك بالنسبة للقضايا الخلقية التي تعرض عليه او يتعرض لها)[2].

المطلب الثاني :القيم الاخلاقية في الفكر الاسلامي:
القيم الاخلاقية في التصور الاسلامي هي مجموعة المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الانساني التي يحددها الوحي لتنظيم حياة الانسان وتحديد علاقته بغيره على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على اكمل وجه .[3]
ويرى قميحه أن القيم الخلقية الاسلامية هي مجموع الاخلاق التي تصنع نسيج الشخصية الاسلامية وتجعلها قادرة على التفاعل الحي مع المجتمع وعلى التوافق مع أعضائه وعلى العمل من اجل النفس والاسرة والعقيدة[4]





المبحث الثاني:مصادر القيم الاخلاقية :
مصادر القيم الخلقية في الاسلام هي مصادر الدين وأسسه التي يستقي منها المسلمون كل ما يتعلق بمعاشهم ومعادهم وهي:

المطلب الاول:القرآن الكريم[5]:
هو كتاب الله الذي نزل على النبي_صلى الله عليه وسلم _ بألفاظه ومعانيه ليكون حجة للرسول على أنه رسول الله ،ودستورا للناس يهتدون بهداه ،وقربة يتعبدون بتلاوته ،وهو المدون بين دفتي المصحف المبدوء بسورة الفاتحة ،المختوم بسورة الناس ،المنقول الينا بالتواتر كتابة ومشافهة جيلا عن جيل محفوظا من اي تغيير او تبديل .[6]
والقرآن يحتوي على النسق القيمي الاسلامي بابعاده المتعددة ،فهذا المصدر الاول للالزام الخلقي .وهو جامع لكل ما يحتاج اليه البشر من موعظة حسنة لاصلاح اخلاقهم واعمالهم الظاهرة والباطنة ،والحكم البالغةلاصلاح خبايا النفس وشفاء امراضها الباطنة وهداية واضحة للصراط المستقيم الموصل الى سعادة الدنيا والآخرة .[7]وهذا مقتضى قوله _تعالى_: (يا ايها اللناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين).[8]

المطلب الثاني:السنة النبوية:-
وهي ماصدر عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ من قول او فعل او تقرير " .يقول _تعالى _: (يا ايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم)[9] وقد أجمع المسلمون على أن السنة حجة في الدين ودليل من أدلة الأحكام الشرعية ، وبالتالي فهي تعتبر مصدراً من مصادر القيم الإسلامية .[10]

المطلب الثالث:الإجماع:
وهو اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي في عصر غير عصر الرسول ، والمراد من الاتفاق : الاشتراك في الاعتقاد أو القول أو الفعل أو ما في معناهما من التقرير ، والسكوت ( عند من يرى أن ذلك كافٍ في الإجماع).يقول _تعالى_: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا)[11]
والإجماع إما أن يكون قطعي الدلالة على الحكم أو ظني الدلالة ، فإن كان قطعي الدلالة على الحكم وهو الإجماع الصريح- فلا سبيل إلى مخالفته ولا مجال للاجتهاد في مسألة تم فيها ذلك الإجماع لأنها صارت قانوناً شرعياً واجب الاتباع والعمل بمقتضاه أما ما كان ظني الدلالة – وهو الإجماع السكوتي – فإنه لا يخرج الواقعة عن أن تكون محلاً للاجتهاد لأنه لا يخرج عن كونه رأي جماعة من المجتهدين لا جميعهم .[12]

المطلب الرابع:القياس:
القياس يفترض وجود حالة نقيس عليها، تمثل بها الحالة الجديدة، وعلى ذلك فالحالة الأصلية ينبغي أن يكون قد سبق لها ذكر في القرآن أو في السنة، أو في الإجماع، ولذا يعرف بأنه (إثبات حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم عند المثبت).[13]

وعموم القول هنا، أن الإلزام الخلقي في الإسلام يستند إلى ما قرره الإسلام عن طبيعة الإنسان من حيث كونه حرّا مختارا وهُدي إلى طريقي الفضيلة والرذيلة، ففي الإنسان من حيث كونه فاعلا، عنصر أخلاقي بالمعنى الحق، وفي الأمر الخلقي عنصر آخر هو العقل والحرية، والمشروعية، وتلكم هي العوامل الأساسية في الالتزام الخلقي، ولذا كان القرآن يقف موقفا دافعا أمام عدوين خطيرين للأخلاق الإسلامية، أولهما: اتباع الهوى دون تفكير، والثاني: الانقياد الأعمى دون تمييز.
إذن فالإلزام الخلقي يقوم على مصدرين أساسيين أولهما: النور الفطري، والثاني: النور الشرعي. والأمر اختيار حر دنيوي ليس مفروضا علويا، ويرجع إلى استخدامنا الحسن أو السيء لملكاتنا وقدراتنا وهي ملكات يزكي تثقيفها النفس، كما يدسيها ويطمسها إهمالها.[14]











المبحث الثالث:نماذج للقيم الاخلاقية:
يندرج تحت القيم الخلقية كل القيم المتعلقة بتكوين السلوك الخلقي الفاضل عند المسلم ليصبح سجية وطبعا يتخلق به ويتعامل به مع الآخرين لتكوين مجتمع اسلامي فاضل تسوده المحبة والوئام[15].
ومن ابرز القيم الخلقية(الصدق والبر والأمانة والأخوة والتعاون والوفاء والصبر والشكر والحياء والنصح والرحمة).[16]
ولعلنا هنا نتوسع بذكر نموذجين من نماذج القيم الخلقية:

المطلب الاول:الصدق:
(يقول ابن قيم الجوزية وهي منزلة القوم الأعظم الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان وسكان الجنان من أهل النيران)[17]
وهو موافقة الظاهر للباطن والقول للعمل والخبر للواقع ،ولذلك فهو لازم للمؤمنين بأمر رب العالمين[18] (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)[19].

المطلب الثاني :الأمانة:
الامانة اساسا هي القيام بالتكاليف التي كلف الله بها الانسان لقوله_تعالى_ : (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا)[20]
فالامانة امر جامع لكل ما كلف به الفرد او استؤمن عليه وهي تشمل حقوقا عدة منها حقوق الله تعالى ومنها حقوق العباد[21] ،يقول الله _تعالى_: (ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها)[22].









المبحث الرابع :مبادئ القيم الاخلاقية:
قام بعض الباحثين باستخلاص مبادئ للقيم الخلقية في الاسلام يرى أن لها قيمة تطبيقية في المجال التربوي ،وهي كما يلي:

المبدأالاول:
الايمان بان الاخلاق من اهم المعاني في هذه الحياة تأتي مرتبتها بعد الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبقضاء الله وقدره ،وبعد عبادة الله وطاعته واخلاص العبودية له .
المبدأ الثاني:
الايمان بأن الخُلق عادة او اتجاه راسخ في النفس تصدر عنه الافعال بسهولة ويسر ،وبأنه عامل يؤثر في سلوك الانسان وفي مقدرته على تكييف نفسه للبيئة التي يعيش فيها .
المبدأ الثالث:
الايمان بان الاخلاق الاسلامية المستمدة من شريعة الاسلام الخالدة والتي تدل عليها نصوص الدين الاسلامي وتعاليمه واجتهادات وممارسات الصالحين من علمائه والاخيار من اتباعه ؛هي اخلاق اسلامية سامية تتماشى مع الفطرة والعقول السليمة وتلبي حاجات الفرد الصالح والمجتمع الفاضل في كل زمان ومكان وتنظم كافة علاقات الانسان بغيره .
المبدا الرابع:
الايمان بان الغاية القصوى للدين والاخلاق هي تحقيق سعادة الدارين والكمال النفسي للفرد ،وتحقيق التقدم والسعادة للمجتمع.
المبدا الخامس:
الايمان بان الدين الاسلامي هو اهم مصادر الاخلاق الاسلامية واهم العوامل المؤثرة في نمو هذه الاخلاق وفي تشكيلها واعطائها الطابع الاسلامي المميز لها.[23]











المبحث الخامس: اهمية غرس القيم الاخلاقية في الناشئة:
تبرزأهمية القيم في حياة الفرد والمجتمع بصورة عامة ، ولكن تزداد أهمية هذه القيم وضرورة غرسها والعناية بها في عالم اليوم المتغير المتقلب الذي بدأ يتنكر للقيم ويحارب الفضيلة ، وتتضح هذه الأهمية للأسباب التالية :
1- اتِّسام المجتمعات عامة باهتزاز القيم واضطراب المعايير الاجتماعية والأخلاقية ، وكثرة حالات الخروج على تعاليم الدين والقانون ، مما أصبح يثير الخوف من تهديد أمن البلاد واستقرارها الاجتماعي ، مما يدعو إلى ضرورة بناء شخصية الإنسان على الدين ، وإلى تعميق العقيدة والشريعة في نفوس أبناء جيل الغد ، على وجه يهيئ لهم الانتفاع مما شرعه الله لعباده ، ويعصمهم من الزلل ، ويحميهم من التعصب ، ويبعدهم عن الانحراف وعن التأثر بالأفكار المسمومة .
2- الواقع الراهن الذي يتميز بالتطور التقني والانفجار المعرفي ، وكل منهما يلاحق الآخر بصورة مذهلة ، ويفرض الانبهار به والتجاوب معه والتعامل مع متطلباته ، ولهذا التطور والتنامي سلوكيات يضبط حركة الحياة ، ويخشى مع مرور الوقت وقوعنا في التبعية المعرفية والثقافية المصاحبة ، مما يتهدد الانتماء إلى أمتنا الإسلامية .
3- الميل المتنامي لدى أفراد المجتمع إلى عدم المبالاة بالحماقات التي يقترفها بعض أفراده وجماعاته ، إضافة إلى ظهور التيارات المعاكسة للتدين ، وتسرب القدوة الصالحة من أكثر من موقع ، مما هيأ الساحة لأعداء وخصوم سعوا في تفتيت الوحدة السلوكية وتوسيع الفجوة بين الأجيال وإلى تكريس العلمانية .
4- ورود بعض السلوكيات التي لا تتفق وقيمنا الفاضلة من خلال أجهزة الإعلام والثقافة ووسائل الاتصال باسم الفن ، وباسم الإطلاع علي واقع العالم المتقدم ، وباسم اللحاق بركب الحضارة ،إذ تصبح بمرور الوقت مألوفة ومعتادة ، ومن ثم تترسخ آثارها في نفوس الكبار وتتزلزل القيم الدينية ، ومنهم مباشرة تمتد الآثار إلى الصغار ، والصغار يصبحون كباراً وتصغر في أعينهم قيم الدين بالاعتياد .
5- انشغال الناس حالياً بهموم العيش والرزق ، حيث لم تعد الدخول كافية لمواجهة احتياجات المعيشة ، وساعدت السلوكيات المعاصرة على شيوع الرغبة في الاستزادة من الدخول ولم تعد الأسرة – لعدة أسباب – قادرة على القيام بالأعباء المتزايده يوماً بعد يوم، مما أدى إلى ضعف القدرة على رعاية الأولاد _ إما عن قصور أو عن تقصير .
6- تفضيل كثير من الأمهات في المدن وغيرها الخروج إلى الشارع وإلى ميادين العمل ، وأكثرها غير منتج ، مما أسهم في الانصراف عن الاهتمام بالصغار ، وتفضيل دفعهم إلى دور الحضانة وبيوت الجيران وغيرهم ، فأصبح البيت على هامش التربية .
7- ضعف دور المدرسة والمؤسسات التعليمية عامة في غرس القيم لدى التلاميذ وصار اهتمام المعلمين منصباً على تلقين المعارف وعلى الخلاص من المقررات في أقرب وقت.
كل هذه الأمور مجتمعة ً وغيرها تؤكد ضرورة إعادة النظر في القيم الإسلامية وضرورة تضافر كل الجهود للعناية بها وغرسها في نفوس أبنائنا لمواجهة هذه التحديات التي يتعرضون لها .[24]
































الخاتمة
في ختام هذا البحث اود تلخيص اهم النتائج التي توصلت اليها من خلال دراستي للموضوع:
1:اهمية نشر مفهوم القيم وتوضيحه للعامة ليصبح مصطلحا مألوفا واضح الدلالة يسهل تلقي مفراته.
2:تحديد المصادر التي تستقى منها القيم لتكون مرجعا اساسيا في هذا الموضوع،فلا يبقى المجتمع فريسة للقيم الدخيلة .
3:توضيح بعض نماذج القيم الخلقية الاسلاميةالتي تدل على نقاء الاسلام وسمو هدفه.
4:التركيز على مبادئ القيم وتوضيحها ليتم الاستفادة منها تطبيقيا في المجال التربوي.
5:ايضاح اهمية غرس القيم في نفوس الناشئة في عالمنا المتغير الذي بدا يتنكر للقيم ويحارب الفضيلة.















فهرس المراجع:
1:القرآن الكريم.
2: الاخلاق في الشريعة الاسلامية/د.احمد عليان/دار النشر الدولي 1420هـ.
3: الثقافة الاسلامية تخصصا ومادة وقسما علميا/عبد الله ابراهيم الطريقي وآخرون/الطبعة الاولى/1417هـ.
3:القيم الاخلاقية بين الفلسفة والعلم/د.فايزة شكري/دار المعرفة الجامعية2002م
4:القيم الاخلاقية دراسة نقدية في الفكر الاسلامي والفكر المعاصر/د.سامية عبد الرحمن /مكتبة النهضة المصرية/الطبعة الاولى1992م.
5: القيم بين الاسلام والغرب دراسة تاصيلية مقارنة/د.مانع المانع/دار الفضيلة /الطبعة الاولى/1426هـ
6: القيم طرق تعلمها وتعليمها/ دراسة مقدمة إلى مؤتمر كلية التربية والفنون تحت عنوان " القيم والتربية في عالم متغير " إعـــــداد الدكتور / فؤاد علي العاجز /الأستاذ / عطيه العمري.على الرابط: http://www.iugaza.edu.ps/emp/emp_folders/407/Alkeam
7:المدخل الى القيم الاسلامية /د.جابر قميحة /دار الكتب الاسلامية .
8:دور المعلم في تنمية القيم الخلقية لدى طلاب المرحلة الثانوية /اعداد:عبد الرحمن بن يحيى الصائغ/جامعة الملك سعود1427هـ.
9فلسفة التربية الاسلامية/د.عمر التومي الشيباني/المنشاة العامة للنشر والتوزيع والاعلان /طرابلس,ليبيا.
10:مدارج السالكين بين منازل اياك نعبد واياك نستعين/ابن قيم الجوزية/دار الكتاب العربي/تحقيق محمد الفقي/الطبعة الثانية 1393هـ.
11:موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم/المؤلف: عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي /دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة/ الرابعة.
[1] موسوعة نضرة النعيم في مكارم اخلاق الرسول الكريم /د.صالح بن حميد/ص66
[2] دور المعلم في تنمية القيم الخلقية لدى طلاب المرحلة الثانوية /اعداد عبد الرحمن بن يحيى حيدر الصائغ /ص15 (نقلا عن كتاب النمو الاخلاقي وعلاقته بوحهة الضبط واضطراب عملية التنشئة الاجتماعية لسامي محمود أبو بيه)
[3] انظر:القيم الاخلاقية بين الفلسفة والعلم د.فايزة شكري/ص114/و نضرة النعيم(ص66).
[4] المدخل الى القيم الاسلامية /قميحة جابر /ص41
[5] انظر :موسوعة نضرة النعيم ص100/القيم الاسلامية دراسة نقدية في الفكر الاسلامي والفكر المعاصر/ص28 / القيم وطرق تعلُّمها وتعليمها /د.فؤاد العاجز وعطيه العمري ص16
[6] موسوعة نضرة النعيم في اخلاق الرسول الكريم /ص100
[7] المرجع السابق /ص101
[8] يونس:57
[9] الانفال:24
[10] انظر: موسوعة نضرة النعيم ص100/القيم الاسلامية دراسة نقدية في الفكر الاسلامي والفكر المعاصر/ص28 / القيم وطرق تعلُّمها وتعليمها /د.فؤاد العاجز وعطيه العمري ص16
[11] النساء:115
[12] انظر: موسوعة نضرة النعيم ص100/القيم الاسلامية دراسة نقدية في الفكر الاسلامي والفكر المعاصر/ص28 / القيم وطرق تعلُّمها وتعليمها /د.فؤاد العاجز وعطية العمري/ص16
[13] موسوعة نضرة النعيم/ص105
[14] المرجع السابق /ص106
[15] القيم بين الاسلام والغرب(24)
[16] انظر:الثقافة الاسلامية تخصصا ومادة وقسما علميا(70)/الاخلاق في الشريعة الاسلامية(183)
[17] مدارج السالكين بين منازل اياك نعبد واياك نستعين /ابن قيم الجوزية/ج2:ص268
[18] انظر:الاخلاق في الشريعة الاسلامية/د:احمد عليان /ص220
[19] التوبة:119
[20] الاحزاب:72
[21] انظر:الاخلاق في الشريعة الاسلامية/229ص
[22] النساء:58
[23] انظر:فلسفة التربية الاسلامية /عمر الشيباني /ص(221/257)،ودور المعلم في تنمية القيم الخلقية لدى طلاب المرحلة الثانوية.(ص16).
[24] انظر: القيم وطرق تعلُّمها وتعليمها /د.فؤاد العاجز وعطية العمري/ص29

بحث في القيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين...وبعد
فهذا بحث مختصر في عنصر هام من عناصر الثقافة الاسلامية ألا وهي القيم ،وتأتي أهميتها لما لها من دور فاعل في حياة المجتمعات ،إذ هي اساس اخلاق المجتمع التي بها رقيه وازدهاره،إن القيم في الاسلام ليست مجرد شعارات ترفع ولا كلاما يردد بل هي واقع معاش يستقيه المسلمون من مصادر الدين القويم (الكتاب والسنة) ،مما جعلها ثابتة مستقرة بثبات الوحيين الى يومنا هذا ،بخلاف القيم عند غير المسلمين فمازالت تتبدل وتتحول حتى وصلوا الى ما وصلوا اليه من انحلال وفساد اخلاقي.

اسباب اختيار الموضوع:
ان المتتبع لاحوال المجتمعات يجد بونا شاسعا بين الواقع والمأمول منها ،وما ذلك الا لانتشار الجهل وضعف التمسك بالدين الاسلامي ومصادره لذلك آثرت ان يكون مجال بحثي في القيم للاسباب التالية:
1:ابراز مفهوم القيم، والقيم الاسلامية خاصة وتوضيح معناها.
2:الحاجة الى توضيح اهمية القيم في حياة البشر ، وبيان علاقة القيم بثقافة المجتمع.
3:معرفة خصائص القيم الاسلامية ومميزاتها .
4:معرفة المصادر التي تستقى منها القيم وتوضيحها.

منهج البحث:
أما منهجي في البحث فقد سلكت في بحثي هذا منهج الاختصار لما يقتضيه المقام ، دون أن يكون في ذلك اخلال بالعناصر الاساسية مع الرجوع للمراجع المتاحة لكل مبحث،وقد حرصت على التوثيق وذكر المرجع، بذكر رقم الآية واسم السورة فيما يتعلق بالقران الكريم ،وذكر رقم الحديث ودرجته وراويه فيما يتعلق بالحديث الشريف،اما المراجع الاخرى فأوثق لها بالهامش بذكر اسم الكتاب ورقم الصفحة والجزء إن وجد ،أما بقية معلومات المرجع ذكرتها في خاتمة البحث في قائمة المراجع ،وأما المراجع الاليكترونية فقد حرصت على التوثيق لها بذكر عنوان الصفحة وعنوان المقالة او البحث وكاتبه.


خطة البحث:
المقدمة وتشتمل على :
-اهمية الموضوع.
-اسباب اختيار الموضوع.
-منهج البحث.
-خطة البحث.
-شكر وتقدير

التمهيد:
في مفهوم القيم:وفيه مطالب:
المطلب الاول:مفهوم القيم في اللغة
المطلب الثاني:مفهوم القيم في الاصطلاح
المطلب الثالث:اهمية القيم في حياة البشر:
المطلب الرابع : علاقة القيم والثقافة:

المبحث الاول:خصائص القيم: وفيه مطالب:
المطلب الاول:خصائص القيم عامة .
المطلب الثاني:خصائص القيم الاسلامية

المبحث الثاني:تصنيف القيم:وفيه مطالب:
المطلب الأول :القيم العليا.
المطلب الثاني:القيم الحضارية.
المطلب الثالث:القيم الخلقية.

المبحث الثالث:مصادر القيم:وفيه مطالب:
المطلب الاول:المصادر السماوية
المطلب الثاني:المصادر البشرية

ثم الخاتمة تليها قائمة بمراجع البحث ثم فهرس لمواضيع البحث..

شكر وتقدير:
وفي هذه المقدمة أتوجه لرب العزة والجلال بالحمد والثناء لما وفقني اليه من اتمام هذا البحث ،ثم لأستاذ المادة الذي بين لنا مفاتيح البحث فيها ،كما أتوجه بالشكر والتقدير لزميلاتي في البحث لما أبدينه من تعاون وتواصل من خلال تبادل الافكار والمراجع فجزاهن الله خير الجزاء.

والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.

التمهيد
في مفهوم القيم وما يتعلق به

المطلب الاول :مفهوم القيم في اللغة:

القيمة واحدة القيم واصله الواو لأنه يقوم مقام الشيء، يقال قومت السلعة ،والاستقامة الاعتدال وقومت الشيء فهو قويم اي مستقيم ،والقوام العدل قال تعالى (وكان بين ذلك قواما)وقوام الرجل ايضا قامته وحسن طوله.[1]
والقائم في الملك الحافظ له ، المقام والمقامة المكان الذي تقيم فيه ،وماء قائم أي دائم ،وما لفلان قيمة :اذا لم يدم عى الشيء[2]
مما سبق يتضح ان مادة(قَوَمَ)استعملت في اللغة لعدة معان منها:
1- قيمة الشيء وثمنه 2-الاستقامة والاعتدال
3-نظام الامر وعماده 4-الثبات والدوام والاستمرار
ولعل اقرب هذه المعاني لموضوع بحثنا هو الثبات والدوام والاستمرار على الشئء.


المطلب الثاني: مفهوم القيم في الاصطلاح:

عرفت القيم في الاصطلاح بعدة تعريفات منها:
أن القيم هي(مستوى أو مقياس أو معيار نحكم بمقتضاه ونقيس به ونحدد على اساسه المرغوب فيه والمرغوب عنه )[3].
كما عرفت بانها: (القواعد التي تقوم عليها الحياة الانسانية وتختلف بها عن الحياة الحيوانية كما تختلف الحضارات بحسب تصورها لها)[4].
وعرفت بانها : (حكم يصدره الانسان على شيء ما مهتديا بمجموعة المبادئ والمعايير التي ارتضاها الشرع محددا المرغوب فيه والمرغوب عنه من السلوك)[5]



ولعل التعريف المختار هو(حكم يصدره الانسان على شيء ما مهتديا بمجموعة المبادئ والمعايير التي ارتضاها الشرع محددا المرغوب فيه والمرغوب عنه من السلوك) لأنه تعريف جامع مانع جعل القيم راجعة الى الشرع القويم مستمدة منه
من خلال مبادئ ومعايير يلتزمها الانسان في حكمه على الاشياء.


المطلب الثالث:اهمية القيم في حياة البشر:

للقيم اهمية عظيمة في حياة المجتمع بكل اطرافه ، فالمجتمع الملتزم بالقيم مجتمع راق تسوده الطمانينة والاحترام وما ذاك الا ثمرة من الثمار الطيبة للقيم .
ان القيم العليا وهي (الحق والعبودية والعدل والاحسان والحكمة )تجعل من الفرد في المجتمع انسانا سويا مطمئن النفس راقي الطباع، ملتزم بالحقوق قائم بحق الله تعالى وحق عباده ،قائم بالعبودية لله وحده وهذا من اهم اسباب استقرار النفس الانسانية ،ملتزم بالعدل في كل احواله محسن حكيم.
اما القيم الحضارية وهي(الاستخلاف والحرية والمسؤولية والمساواة والعمل والقوة والأمن والسلام والجمال )فهي تكشف عن جانب الحضارة في المجتمع وتضبط سلوك الافراد تجاه مجتمعهم سواء كانوا حكاما او محكومين ،فالتزام كل منهم بهذه القيم ينشر السلام في المجتمع ويجعله قويا متماسكا.
وأما التزام الأفراد بالقيم الخلقيه كالصدق والبر والامانة والاخوة والتعاون والوفاء والصبر والشكر والحياء والنصح والرحمة وغيرها فلا يخفى ما فيها من مصالح للفرد والمجتمع فبها تقوى الروابط ويسود الاحترام.
ان مجتمعا تسوده القيم يبقى مجتمعا مطمئنا تكثر فيه الفضيلة وتتضاءل فيه الرذيلة وهذه غاية القيم.


المطلب الرابع : علاقة القيم والثقافة:

ترتبط القيم بالثقافة ارتباطا وثيقا اذ أن القيم تنبع من ثقافة المجتمع الذي يكون القيم فلذلك نجد القيم في المجتمعات تختلف باختلاف الثقافات، فنجد بونا شاسعا بين القيم الاسلامية والقيم الغربية بسبب الاختلاف الجذري في الثقافة .

ومع كون القيم جزءا من الثقافة الا انها مهيمنة عليها فالثقافة الحقة لا تخرج عن قيم المجتمع ،فنرى قيم المجتمع تحكم ثقافته وتضبطها، لذا لا يمكن فصل القيم عن الثقافة لارتباطهما الوثيق من كافة الجوانب.



المبحث الأول :خصائص القيم:

المطلب الاول :خصائص القيم عامة:

من خلال حديثنا عن مفهوم القيم يتضح لنا ان القيم بشكل عام تتميز بالخصائص التالية:
1-أنها عناصر توجيه في الحياة تعكس توجها معينا حيال نوع معين من الخبرة .
2-انها تحمل صفة الانتقائية.
3-ان الاختيار الذي تفرضه القيمة على الفرد في مجال التعامل يعد افضل اختيار له.[6]


المطلب الثاني:خصائص القيم الاسلامية:

تتميز القيم الاسلامية بخصائص تميزها عن غيرها ،وسنذكر هنا ابرز هذه الخصائص:

1-الربانية:القيم في الاسلام ربانية المنشا فهي تصدر من مصدر الاسلام ذاته اي انها تستمد من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة[7] .
ويترتب على كونها من عند الله تعالى عدة اعتبارات منها:
أ.ان القيم تتسم بالعدل وذلك ان احكام الشريعة الاسلامية بكل ما تحويه من قيم ومعان ومبادئ تتسم بالعدل وتخلو من النقص والظلم والهوى.
ب.ان القيم تتصف بالقدسية فهي تقوم على الايمان ،فكلما ازداد ايمان الفرد عمقا ورسوخا كملت اخلاقه وازداد تمسكا بقيمه ولذا فان تمسك المسلم بقيم دينه دليل على ايمانه وهو مظهر تعبدي يرتضيه الله سبحانه وتعالى عن عباده .
ج.ان القيم الاسلاميه تكتسب من الشريعة خاصية الخلود والحفظ والوضوح لان الاسلام هو الدين الباقي وهو وحده الدين المحفوظ الاصل.
د.ان القيم ترتبط بالجزاء الدنيوي والاخروي [8].





2-الشمول:فهي تقوم على اساس الشمول والتكامل بمعنى:
أ.انها تراعي عالم الانسان وما فيه ، والمجتمع الذي يعيش فيه واهداف حياة الانسان طبقا للتصور الاسلامي ،اي تحدد اهداف الحياة وغايتها وما وراءها ، ومن ثم تكون قيمة أي انجاز بشري في تقدير حسابه وجزائه في الدار الآخرة مع عدم اهمال الدنيا.
ب.انها جامعة لكافة مناشط الانسان وتوجهاته ،تستوعب حياته كلها من جميع جوانبها ،ثم هي في هذا لا تقف عند حد الحياة الدنيا.[9]


3-العموم :تتميز القيم الاسلامية بالعمومية والاستمرارية لكل الناس في كل زمان ومكان ،ويؤيد ذلك القران الكريم في قوله تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا)الفرقان "1" ،فالقيم الاسلامية ليست قاصرة على بعض الافراد ولاهي مرتبطة باشخاص مثاليين يرقى الواحد منهم بنفسه وروحه ليكون في عداد الاخيار الاطهار القلائل ولكنها في حقيقتها مقدورة ميسورة يمارسها الانسان في اقتدار ميسر وفي رغبة ذاتية نشطة ،وهي بذلك تتسم بالعموم الذي يتحقق في الامة كلها افرادا وجماعات في جميع الاوضاع والاحوال،ومن عموم القيم انها شملت العربي والاعجمي ،والقواعد والتعاليم الخلقية شملت تعامل الانسان مع الانسان ،وتعامل الانسان مع الحيوان، وبهذا تميزت القيم الاسلامية عن النزعة العنصرية القومية التي اتسمت بها الاخلاق اليهودية والاخلاق القبلية والبدائية.[10]


4-الملاءمة للفطرة: جاء الاسلام في مجال القيم بما يلائم الفطرة والطبيعة البشرية ويكملها،لا بما يضادها ويصدمها ، ومن هنا اعترف الاسلام بالكائن الانساني كما خلقه الله بدوافعه النفسية وميوله الفطرية .ومما يؤكد ملائمة القيم للفطرة ان القيم تقوم على اساس هو الكتاب والسنة، وهذا الاساس ملائم للفطرة الانسانية الاصيلة ومن ثم ظلت هذه القيم في حركتها منسجمة مع فطرة الانسان.[11]


5-الايجابية :فلا يكفي ان يكون حامل القيم الاسلامية صالحا في نفسه بل يكون صالحا مصلحا متعديا نفعه للغير وتاتي هذه الايجابية للقيم الاسلامية من ايجابية الاسلام نفسه فهو دين ايجابي مؤثر ليس من طبيعته الانكماش والسلبية وهو يكره العزلة وحجر النفس عن دنيا البشر وعن واقع الحياة في حركتها وفعاليتها ومشكلاتها؛بل يدعو للتفاعل مع المجتمع والاصلاح فيه.[12]




6-جامعة بين الثبات والمرونة[13]: هناك قيم عليا ثابتة لا تقبل الاجتهاد او التغيير او التبديل ،كالقيم العقدية وقيم العبادات وقيم الامربالمعروف والنهي عن المنكر اما القيم الاخرى فهي نسبية ، بمعنى ان القيم التي تستند الى نص قطعي الدلالة لا يجوز فيها التغيير او التبديل ،اما تلك التي تعتمد على ظني الدلالة فان مجال الاختيار فيها واسع وهي مرنة مرونة كافية لمواجهة ما يتولد في حياة الناس من مواقف وحوادث وما تصير اليه الامور في المجتمعات.[14]


7-التوازن :تميزت القيم الاسلامية بالتوازن الذي يجمع بين الشيء ومقابلة بلا غلو ولا تفريط ،ومن ذلك التوازن بين حق الجسم وحق الروح ،والتوازن بين الدنيا والاخرة ،ومن ذلك التوازن بين الحقوق والواجبات ،والتوازن بين الواقعية والمثالية ، والتوازن في القيم الاسلامية جعلها تجمع بين الدنيا والآخرة فلا افراط ولا تفريط ، وفي القيم الاسلامية تلتقي الفردية والجماعية في صورة متزنة رائعة تتوازن فيها حرية الفرد ومصلحة الجماعة وتتكافأ فيه الحقوق والواجبات وتتوزع بالعدل.[15]


8-الواقعية: تتميز القيم الاسلامية بالواقعية فهي ليست ضربا من المثاليات ولاهي من قبيل الخيال الذي يعلو على الواقع ولا يمكن تغييره وهي جزء من مميزات وخصائص الشريعة الإسلامية ، التي راعت الفطرة والتكوين الإنساني عن طريق الاستجابة للنزعات الفطرية والطبيعية في الإنسان بالحق، وفتح أبواب التوبة أمام العاصي لتمكينه من تصحيح سلوكه نحو الأفضل قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } [الحديد: 25] .[16]










المبحث الثاني: تصنيف القيم

في ضوء ما سبق سنعرض في مطالب هذا المبحث تصنيفا للقيم الاسلامية على النحو التالي:

المطلب الاول:القيم العليا:
وهي القيم الكلية الكبرى التي تسمو بالانسان الى معالي الامور وترقى به عن مشابهة سائر المخلوقات ،واهم هذه القيم: (الحق ،العبودية ،العدل،الاحسان،الحكمة) وهذه القيم هي اعلى القيم الانسانيه واسماها ،وتكتسب هذه القيم مكانتها العالية من خلال مضامينها.[17]


المطلب الثاني :القيم الحضارية:
وهي القيم التي تتعلق بالبناء الحضاري للامة ،من خلال البناء المتوازن العقلي والمادي وهي ذات طابع اجتماعي عمراني واهم هذه القيم (الاستخلاف،الحرية،المسؤولية ،المساواة ،العمل ،القوة، الامن ،السلام، الجمال).[18]


المطلب الثالث:القيم الخلقية:
وهي القيم المتعلقة بتكوين السلوك الخلقي الفاضل عند المسلم ليصبح سجية وطبعا يتخلق به ويتعامل به مع الآخرين لتكوين مجتمع اسلامي فاضل تسوده المحبة والوئام[19].
ومن ابرز القيم الخلقية(الصدق والبر والأمانة والأخوة والتعاون والوفاء والصبر والشكر والحياء والنصح والرحمة).[20]







المبحث الثالث: مصادر القيم:

للقيم مصادر عديدة ، وتختلف هذه المصادر من مجتمع لآخر ، وفي المجتمع العربي والإسلامي يمكن حصر مصادر القيم فيما يلي :

المطلب الاول:المصادر السماوية:

ترجع غالبية القيم عند البشرية الى اديانهم التي يعتنقونها فبعضها صحيح وبعضها باطل،وفي الاسلام يعد القرآن والسنة هما المصدران الأساسيان للقيم اذ جاء في آيات القرآن الكريم الحث على القيم بكل انواعها اجمالا وتفصيلا ومن ذلك قوله_تعالى_ : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)النحل 90.
أما في سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم _فما أكثر النصوص المقررة للقيم والحاثة عليها وجمع ذلك قوله _صلى الله عليه وسلم_: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)[21].[22]


المطلب الثاني:المصادر البشرية:

ترجع بعض القيم الانسانية الى وضع البشر من خلال تعايش المجتمعات وتلاقح افكارها وتتميز هذه القيم التي هي من وضع البشر بكون بعضها ايجابي والبعض الآخر سلبي بخلاف القيم السماوية الايجابية قطعا،وقد ترجع بعض القيم الى عصور قديمة كبعض القيم العربية الأصيلة كالنخوة والشجاعة وإغاثة الملهوف هذا من جهة القيم الايجابية ،اما القيم السلبية فمنها العصبية القبلية والأخذ بالثأر.[23]
وفي العصر الحاضر من خلال الانفتاح العالمي اصبحت المجتمعات تتلقى الكثير من القيم من خلال التواصل الثقافي مع مجتمعات اخرى .[24]


الخاتمة

في خاتمة هذا البحث نذكر اهم النتائج والتوصيات التي يمكن استخلاصها من هذا البحث:
1-أهمية القيم في حياة الأفراد والمجتمعات ،وأنها من اهم ركائز ثقافة المجتمع .
2-تميز القيم الاسلامية بخصائص لاتوجد في غيرها من القيم ،ويرجع ذلك الى مصادرها المطهرة(الكتاب والسنة).
3-ينبغي للمجتمع تمحيص القيم فما كان منها ايجابيا صالحا عمل به، وماكان منها سلبيا –كبعض القيم الجاهلية والغربية-تركه وتنزه عنه.
4-ينبغي على حاملي لواء الثقافة في المجتمعات نشر قيم الخير والسلام بين افراد المجتمع ،ليرتقي المجتمع بافراده.
هذا والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.



















المراجع:
1-القرآن الكريم.

2-الاخلاق في الشريعة الاسلامية/د.احمد عليان/دار النشر الدولي 1420هـ.

3-الثقافة الاسلامية تخصصا ومادة وقسما علميا/عبد الله ابراهيم الطريقي وآخرون/الطبعة الاولى/1417هـ.

4-الصحاح في اللغة/ابو نصر اسماعيل الجوهري/المكتبة الشاملة.

5-القيم بين الاسلام والغرب دراسة تاصيلية مقارنة/د.مانع المانع/دار الفضيلة /الطبعة الاولى/1426هـ.

6- المحيط في اللغة / إسماعيل ابن عباد بن العباس بن أحمد بن إدريس الطالقاني/دار النشر : عالم الكتب - بيروت / لبنان /الطبعة : الأولى
- 1414هـ -1994م .

7-مسند الامام احمد/ أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني/الناشر : مؤسسة قرطبة – القاهرة.

8- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم/المؤلف: عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي /دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة/ الرابعة.












المراجع الاليكترونية:

1-القيم طرق تعلمها وتعليمها/ دراسة مقدمة إلى مؤتمر كلية التربية والفنون تحت عنوان " القيم والتربية في عالم متغير " إعـــــداد الدكتور / فؤاد علي العاجز /الأستاذ / عطيه العمري.على الرابط: http://www.iugaza.edu.ps/emp/emp_folders/407/Alkeam
2-مجلة علوم انسانية/ التصور الإسلامي للقيم في الفلسفات التربوية الوضعية/الدكتور قاسم محمد محمود خزعلي/على الرابط: http://www.ulum.nl/d191.html3-ندوة قيم القرآن تؤلف بين البشر/د.محمد الحسني/على الرابط: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-Tazkia%2FTZALayout&cid=1173695189754
[1] انظر الصحاح في اللغة (2 / 102)
[2] انظر:المحيط في اللغة ( 2 / 7 )
[3] نضرة النعيم في مكارم اخلاق الرسول الكريم (1/78)
[4] الثقافة الاسلامية تخصصا ومادة وقسما علميا (ص14)
[5] القيم بين الاسلام والغرب (ص15)نقلا عن د.حامد زهران ،علم النفس الاجتماعي (ص132)
[6] انظر:نضرة النعيم(1/78)
[7] انظر:القيم بين الاسلام والغرب(152)ونضرة النعيم (1/78)
[8] انظر: القيم بين الاسلام والغرب(156)
[9] انظر:القيم بين الاسلام والغرب(156)ونضرة النعيم (1/79)
[10] انظر:القيم بين الاسلام والغرب (157) /نضرة النعيم(1/79) / الاخلاق في الشريعة الاسلامية(33)
[11] انظر:القيم بين الاسلام والغرب(159)
[12] انظر:القيم بين الاسلام والغرب(159)
[13] انظر:القيم بين الاسلام والغرب(162) /الاخلاق في الشريعة الاسلامية (34)
[14] انظر:نظرة النعيم(1/80)
[15] انظر:القيم بين الاسلام والغرب(164)
[16] انظر:القيم بين الاسلام والغرب(164)/مجلة علوم انسانية على الرابط http://www.ulum.nl/d191.html
[17] انظر:القيم بين الاسلام والغرب(24)/نضرة النعيم(1/83)/الثقافة الاسلامية تخصصا ومادة وقسما علميا(68)
[18] انظر: القيم بين الاسلام والغرب(24)/نضرة النعيم(1/84)/الثقافة الاسلامية تخصصا ومادة وقسما علميا(70)
[19] القيم بين الاسلام والغرب(24)
[20] انظر:الثقافة الاسلامية تخصصا ومادة وقسما علميا(70)/الاخلاق في الشريعة الاسلامية(183)
[21] مسند الامام احمد بن حنبل برقم(8939) تعليق شعيب الأرنؤوط : صحيح وهذا إسناد قوي رجاله رجال الصحيح غير محمد بن عجلان فقد روى له مسلم متابعة وهو قوي الحديث .
[22] انظر:ندوة قيم القرآن تؤلف بين البشر لمحمد الحسني على الرابط http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-Tazkia%2FTZALayout&cid=1173695189754 /القيم طرق تعلمها وتعيمها(7)
[23] القيم طرق تعلمها وتعيمها(7)
[24] انظر:ندوة قيم القرآن تؤلف بين البشر لمحمد الحسني /القيم طرق تعلمها وتعيمها(7)

بحث في المذاهب المندثرة

" المقدمة "

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..

تميز عصر الأئمة المجتهدين بفتح باب الاجتهاد للعلماء وظهور مذاهب فقهية لعلماء اجلاء اتبعتهم الأمة في فقههم إلى عصرنا هذا ،إلا أن بعض هذه المذاهب قد اندثر ولم يبق له اتباع يؤلفون فيه وينظِّرون له ويعملون به وبقيت مذاهب هؤلاء العلماء منثورة في كتب الفقه المقارن إلى عصرنا هذا ،وقد قمت في بحثي هذا بجمع ما استطعت جمعه من اسماء العلماء المقلًّدين ثم اتبعت ذلك بتعريف مختصر لأبرز هذه المذاهب سائلة المولى أن يكون بحثي سهل التناول واضح المعنى والعبارة والله الهادي والموفق.



المبحث الأول :اسماء العلماء المقلَّدين في عصر الأئمة المجتهدين:

كثر الأئمة المجتهدون في هذا العصر وكان لكل عالم مجتهد أتباع مقلِّدون يأخذون عنه أحكام فقههم ، ودون بعض العلماء اسماء الأئمة المقلَّدين فقال الامام الذهبي: (فالمقلدون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بشرط ثبوت الاسناد إليهم، ثم أئمة التابعين كعلقمة، ومسروق، وعبيدة السلماني، وسعيد بن المسيب، وأبي الشعثاء، وسعيد بن جبير، وعبيدالله بن عبد الله، وعروة، والقاسم، والشعبي، والحسن، وابن سيرين، وإبراهيم النخعي.
ثم كالزهري، وأبي الزناد، وأيوب السختياني، وربيعة، وطبقتهم.
ثم كأبي حنيفة، ومالك، والاوزاعي، وابن جريج، ومعمر، وابن أبي عروبة، وسفيان الثوري، والحمادين، وشعبة، والليث، وابن الماجشون، وابن أبي ذئب.
ثم كابن المبارك، ومسلم الزنجي، والقاضي أبي يوسف، والهقل بن زياد، ووكيع، والوليد بن مسلم، وطبقتهم.
ثم كالشافعي، وأبي عبيد، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، والبويطي، وأبي بكر بن أبي شيبة.
ثم كالمزني، وأبي بكر الاثرم، والبخاري، وداود بن علي، ومحمد ابن نصر المروزي، وإبراهيم الحربي، وإسماعيل القاضي.
ثم كمحمد بن جرير الطبري، وأبي بكر بن خزيمة، وأبي عباس بن سريج، وأبي بكر بن المنذر، وأبي جعفر الطحاوي، وأبي بكر الخلال.
ثم من بعد هذا النمط تناقص الاجتهاد، ووضعت المختصرات، وأخلد الفقهاء إلى التقليد، من غير نظرفي الاعلم، بل بحسب الاتفاق، والتشهي، والتعظيم، والعادة، والبلد.
فلو أراد الطالب اليوم أن يتمذهب في المغرب لابي حنيفة، لعسر عليه، كما لو أراد أن يتمذهب لابن حنبل) ا.هـ .[1]
وأكثر هؤلاء العلماء لم يكتب لمذاهبهم البقاء فاندثرت في زمن قصير وآخرون بقيت مذاهبهم لقرن او قرنين او ثلاثة_ سأذكرهم في المبحث التالي_ ومنهم من استمر مذهبه الى عصرنا الحاضر وهم الأئمة الأربعة المشهورون.



المبحث الثاني:في أبرز المذاهب المندثرة:

في هذا المبحث سأذكر في مطالبه أبرز ثمانية مذاهب _بقيت زمنا بعد موت اصحابها رحمهم الله ثم اندثرت_ مترجمة لامامه مع ذكر ملامح مختصرة عن المذهب ، وهي مرتبة بحسب تاريخ مولد الإمام صاحب المذهب:

المطلب الاول:مذهب الامام الحسن البصري:
صاحب المذهب هو الامام الحسن بن أبي الحسن سيار أويسار ،أبو سعيد الحسن البصري مولى زيد بن ثابت ،ولد بالمدينة لسنتين بقيتا من خلافة عمر _رضي الله عنه_ ومات سنة 110هـ [2]
عده عياض في المدارك من الائمة اصحاب المذاهب المقلدة المدونة.[3]
وكان مذهب الامام الحسن البصري يميل الى الرأي والقياس، واندثر مذهبه بانتشار المذهب الحنفي[4]

المطلب الثاني :مذهب الامام الأوزاعي:
صاحب المذهب هو شيخ الاسلام وعالم اهل الشام عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد،أبو عمرو الأوزاعي
ولد ببعبلبك سنة88 هـ ،سكن بيروت وتوفي بها سنة 157هـ، قيل انه افتى في سبعين ألف مسألة [5].
كان يكره القياس ويقف مع السنة لذلك يعد من فقهاء مدرسة أهل الحديث،انتشر مذهبه بالشام والاندلس بفضل اصحابه الى أن طغى عليه مذهب الشافعي في الشام و مذهب الإمام مالك في الاندلس منتصف القرن الثالث الهجري بعد حوالي المئتي عام من انتشاره.[6]


المطلب الثالث:مذهب الإمام الليث بن سعد:
صاحب المذهب هو الامام الحافظ شيخ الإسلام وعالم الديار المصرية الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي ،ولد بقرقشنده سنة 94هـ، ومات سنة 175هـ[7]، شد الرحال في طلب العلم إلى مكة وبيت المقدس وبغداد، وروى عن نحو ستين من التابعين[8]
كان له مع الامام مالك مراسلات ومجادلات ،وكان يأخذ على الامام مالك مبالغته في الاحتجاج بعمل أهل المدينه والقضاء بالشاهد واليمين.[9]
قال عنه الإمام الشافعي : ( الليث بن سعد افقه من مالك إلا أن اصحابه لم يقوموا به)[10].


المطلب الرابع:مذهب الإمام الثوري:
صاحب المذهب هو شيخ الاسلام إمام الحفاظ سيد العلماء العاملين في زمانه سفيان بن سعيد الثوري الكوفي المجتهد، ولد سنة97 هـ ،ومات في البصرة سنة 161هـ .[11]وهو من أتباع التابعين وروى عن أعلامهم كقتادة ومجاهد وعطاء .[12]
وهو من مدرسة أهل الحديث وكان له أتباع يفتون بمذهبه ،غير انهم لم يكثروا ولم يظل تقليده فاندثر [13].


المطلب الخامس: مذهب الامام اسحاق بن راهويه:
صاحب المذهب هو الامام الكبير شيخ المشرق اسحاق بن راهويه ابو يعقوب ولد سنة 161هـ، وتوفي سنة 238هـ.[14]
وهو احد كبار الحفاظ وامام من أئمة المسلمين جمع بين الحديث والفقه والورع والزهد،
وكان لمذهبه اتباع يقال لهم الاسحاقيه .[15]

المطلب السادس:مذهب الامام ابو ثور:
صاحب المذهب هو الامام الحافظ المجتهد مفتي العراق ابوثور ابراهيم بن خالد الكلبي، ولد سنة 170هـ،وتوفي سنة240هـ.[16]
تفقه الامام ابو ثور بالرأي حتى قدم الشافعي بغداد فاختلف اليه ورجع عن الرأي الى الحديث ،قال ابن عبد البر كان ثقة فيما يروي وحسن النظر الا ان له شذوذا خالف فيه الجمهور وقد عدوه احد ائمة الفقهاء ،قال السبكي :لا يعني شذوذا في الحديث بل في مسائل الفقه التي اغرب فيها.[17]
وقد عده السبكي من المقلدين للشافعي والذي صرح به غير واحد انه كان مجتهدا مستقلا فنسبته اليه نسبة المتعلم للمعلم لا المقلَِّد للمقلًّد فقد كان له مذهب مدون واتباع الا ان اصحابه لم يكثروا ولا طالت مدتهم وانقطعوا بعد ثلاثمائة.[18]

المطلب السابع:مذهب الإمام الطبري:
صاحب المذهب هو الإمام ،العلم ،المجتهد عالم العصر محمد بن جرير،أبو جعفر الطبري، من أهل آمل طبرستان، ولد سنة 224هـ وتوفي ببغداد سنة 310هـ .[19]
نسبه بعض العلماء الى المالكية وبعضهم نسبه الى الشافعية والتحقيق أنه مجتهد مطلق وكان له اتباع انقطعوا بعد الأربعمائة [20].
وقد أشار في تفسيره الى الأصول التي يعول عليها في استنباطه للاحكام ،ومن ذلك قوله: (إن الحلال والحرام لايكون إلا بنص أو دليل أو أصل ،أو نظير لأصل)
والأصل عند الطبري ينصرف إلى الكتاب والسنة والإجماع ،وأما نظير الأصل فهو القياس.[21]



المطلب الثامن :مذهب الامام داوود الظاهري:
صاحب المذهب هو الإمام الحافظ داود بن خلف الظاهري مولى امير المؤمنين المهدي رئيس أهل الظاهر مولده سنة 200هـ ، ومات سنة270هـ ،اخذ العلم عن اسحاق بن راهويه وأبي ثور.[22]
ومذهبه يقرر أن المصدر الفقهي هو النصوص فلا رأي في حكم من احكام الشرع،ونفى المعتنقون لهذا المذهب الرأي بكل انواعه،فلم ياخذوا بالقياس ولا بالاستحسان ولا بالمصالح المرسلة ولا الذرائع، بل ياخذون بالنصوص وحدها وإن لم يكن النص اخذوا بحكم الاستصحاب الذي هو الاباحة الاصلية الثابته بقوله _تعالى_: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا)وقد قرروا احكاما كثيرة خالفوا بها الفقهاء،بل أداهم ترك الرأي والتمسك بالنصوص الى ان يقولوا احكاما هي في منتهى الشذوذ،وكان من اسباب شدة المعارضة لهذا المذهب ان داود منع التقليد منعا مطلقا فلا يجوز للعامي أن يقلد بل عليه ان يجتهد وان لم يستطع الاجتهاد سال غيره ولكن لا يقبل قول غيره الا اذا قدم له الدليل من الكتاب او السنه او الاجماع فان لم يقدم واحدا من هذه اتجه لغيره ولم يكن لهذا الراي اثرا حسنا لانه يجرئ على الاجتهاد من لا يحسن فهم الكتاب والسنه.[23]
انتشر المذهب الظاهري في القرنين الثالث والرابع وعده بعض العلماء رابعا بعد مذهب ابي حنيفة ومالك والشافعي فكان في الشرق في القرن الرابع اكثر انتشارا من مذهب الامام احمد ولكن في القرن الخامس جاء القاضي ابو يعلى وجعل للمذهب الحنبلي مكانة وبذلك زحزح المذهب الظاهري من المشرق وحل محله،في الوقت الذي قام فيه المذهب الظاهري في الاندلس بجهود العالم ابن حزم الذي انتصر للمذهب الظاهري ونشره والف فيه مؤلفات خلدت المذهب فكان فضله على المذهب ظاهر رحمه الله رحمة واسعه.[24]
وقد قدر لمذهب الظاهري أن يبقى فترة من الزمن ثم اخذ يضعف شيئا فشيئا حتى انتهى في القرن الثامن تقريبا.[25]



الخاتمة

بعد ذكرنا لأبرز المذاهب المندثرة يحسن بنا في خاتمة البحث أن نقف على بعض الأسباب التي أدت إلى اندثار هذه المذاهب وتقلص أتباعها ومن اهمها ما يلي:
1-أن هؤلاء الأئمة لم يدونوا مذاهبهم كما فعل غيرهم ،أو أنهم دونوا لكن لم يكتب لمدوناتهم البقاء لأي سبب من الأسباب.
2-أن أئمة المذاهب المندثرة لم يكن لهم تلاميذ نجباء كثيرون يأخذون عنهم فقههم ويدونونه ويؤلفون فيه ويؤصلون قواعده ويسجلون فتاوى الإمام وينشرونها بين الناس.
3-أن هذه المذاهب لم يُقيض لها دولة قوية تتبناها وتعمل بها وتلزم الناس بها كما حصل مع المذاهب الباقية.

هذه ابرز أسباب اندثار هذه المذاهب
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

***





المراجع:
1-تاريخ المذاهب الإسلامية ،محمد أبو زهرة ،طبعة دار الفكر العربي.
2-سير أعلام النبلاء،الامام الذهبي،مجموعة من المحققين باشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة
الطبعة : الثالثة ، 1405 هـ / 1985 م
3-الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي ،سيدي محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي ،تاريخ الطبعة"1340/1345"
4-المدخل في الفقه الإسلامي.تعريفه وتاريخه ومدارسه،تاليف محمد مصطفى شلبي،الطبعة العاشرة 1405هـ،الدار الجامعية.
5-مصادر التشريع الاسلامي،د.عباس شومان،الدار الثقافية للنشر ،الطبعة الأولى1420هـ
6-مقدمة في دراسة الفقه الإسلامي،ا.د محمد الدسوقي،د.أمينة جابر،دار الثقافة للطباعة 1420هـ.
[1] سير اعلام النبلاء(8/91)
[2] انظر سير اعلام النبلاء(4/563،588)
[3] انظر :الفكر السامي في تاريخ التشريع الاسلامي(1/77)
[4] انظر:مصادر التشريع الاسلامي(125)
[5] انظر:سير اعلام النبلاء(7/107،134)
[6]انظر: مصادر التشريع الاسلامي(126)،و مقدمة في دراسة الفقه الاسلامي(184)
[7] انظر:سير اعلام النبلاء (8،161،136)
[8] مقدمة في دراسة الفقه الاسلامي(185)
[9] مصادر التشريع الاسلامي (126)
[10] مصادر التشريع الإسلامي(126)
[11] سير اعلام النبلاء(7/229)
[12] مقدمة في دراسة الفقه الاسلامي(185)
[13] مقدمة في دراسة الفقه الاسلامي(185)
[14] انظر:سير اعلام النبلاء(11/358)
[15] مقدمة في دراسة الفقه الاسلامي(188)
[16] انظر:سير اعلام النبلاء(12/75)
[17] انظر الفكر السامي في تاريخ الفقه الاسلامي (2/13)
[18] انظر:الفكر السامي في تاريخ الفقه الاسلامي(2/14)
[19] انظر:سير اعلام النبلاء(14/267)
[20] انظر :الفكر السامي في تاريخ الفقه الاسلامي(2/39)
[21] انظر:مقدمة في دراسة الفقه الاسلامي(187)
[22] انظر:سير اعلام النبلاء(13/97)
[23] انظر:تاريخ المذاهب الاسلامية (2/345)
[24] انظر:تاريخ المذاهب السلامية (2/351)
[25] المدخل في الفقه الاسلامي (206)

موضوعية علماء المسلمين تجاه نقد وتقويم الاشخاص

"موضوعية علماء المسلمين تجاه تقويم ونقد الاشخاص"
من كتاب فصول في التفكير الموضوعي
د.عبد الكريم بكار


يمثل التعامل مع الاشخاص تقوبما ونقدا مسلكا من اخطر مسالك الانزلاق عن الموضوعية وذلك لاعتبارات كثيرة منها:
*عدم ثبات مواقع الاشخاص جميعا سواء اكانوا في مقام الناقدين ام كانوا في مقام المنتقدين بين المراهقة والنضج والخطا والصواب والهداية والعماية والغلو والاعتدال.
*الاعتماد على العناصر العاطفية والروحية في التقويم وهي بطبيعة الحال شديدة التنوع والتغاير.
*اختلاف المستويات الثقافية للناقدين مما يجعل المعاييرشخصية .
*عدم امتلاك ادوات ومقاييس مادية تمكننا من الوصول الى احكام متطابقة كتلك التي نصدرها على الطبيعة من حولنا .
*ما نجده من الصعوبة البالغة في التفريق بين احكام صدرت عن قناعات عميقة لدى اصحابها ،وبين احكام كان مصدرها الهوى والحسد.
ونتيجة لذلك فاننا لا نعجب حين نسمع عن خلاف بين الناس في تقييم شخص واحد،ومن هنا نشعر اننا حتى نكون قريبين من الموضوعية في هذا الباب بحاجة الى ارساء عدد كبير من الضوابط والاحترازات والاستثناءات ،حتى نشعر اننا نتحلى بفضيلة الانصاف.
***

أهم المفردات التي تجلت فيها موضوعية علماء المسلمين في الحكم على الاشخاص:

أ)نظرا لكثرة أنواع الخيرات وانواع الشرور ،وتفاوت مقاديرها فإن المسلمين يرون أنه لا يوجد إنسان هو خير محض، ولا انسان هو شر محض _إلا من عصم الله_ وتنسحب هذه النظرة على الجماعات والطوائف والملل، فمقادير الخيرات والكمالات تتفاوت بين ملة واخرى ، وكذلك درجات الشرور والنواقص تتفاوت بين امة واخرى،وهذا في الحقيقة يعد مدخلا مهما نحو موضوعية الاحكام التي يصدرها بنو البشر على بعضهم بعضا،كما أنه مقدمة ضرورية لتكوين هامش ما يمكن أن يلتقي فيه ابناء آدم.
ولنا في صحابة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_خير قدوة في سلوك بعضهم مع بعض فقد شهروا السيوف على بعضهم وجرى بينهم من القتال ماهو معروف ومع هذا فانه كان يوالي بعضا موالاة الدين،فيقبل بعضهم شهادة بعض، وياخذ بعضهم العلم عن بعض، ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض وهذا كله نابع من النظرة التفصيلية التي اسسها الاسلام .
وعلى نهجهم سار سلف الامة الافاضل فهذا شيخ الاسلام ابن تيمية_رحمه الله_يقول:( ولا ريب أن في كثير من المسلمين من الظلم والجهل والبدع والفجور ما لا يعلمه الا الله ، لكن كل شر يكون في بعض المسلمين فهو في غيرهم اكثر، وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم اعلى واعظم ) ويقول في اهل البدع: (والرافضة فيهم من هو متورع زاهد، لكن ليسوا في ذلك مثل غيرهم من اهل الاهواء ،فالمعتزلة اعقل منهم واعلم وادين ، والكذب والفجور فيهم اقل منه في الرافضة .والزيدية من الشيعة خير منهم :اقرب الى الصدق والعدل والعلم. وليس في اهل الاهواء اصدق ولا اعبد من الخوارج . ومع هذا فاهل السنة والجماعة يستعملون معهم العدل والانصاف ، ولا يظلمونهم ؛فان الظلم حرام مطلقا ،كما تقدم،بل اهل السنة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم لبعض ، بل هم للرافضة خير واعدل من بعض الرافضة لبعض).
***



ب)مراعاة اختلاف احوال بني البشر:
نظر علماء المسلمين الى الانسان على انه خطاء تواب ؛فهو ساحة المعترك بين الحق والباطل ؛فتارة ينتصر الحق على الباطل عنده وتارة يهزم ،وتارة يغلب عليه الانصاف ، وتارة الظلم ،وادركوا كثيرا من الظروف والملابسات التي تضعف من مقاومته لاهوائه وشهواته ،ومن ثم فانهم لم ياخذوا بكل قول يقال مجردا عن ظروفه وسياقاته ،وانما حاولوا استبطان الامور ، والنفاذ الى الدوافع الخافيه من اجل حكم متوازن منصف.ولذلك امثلة منها:

*ادراكهم لما قد يسببه سوء الفهم للكلام وتجاهل ظروف وقوعهمن احكام خاطئة،مثال ذلك ما ذكره الحافظ ابن حجر في ترجمة زيد بن وهب الجهني من توثيق الجمهور له ،وقوله:وشذ يعقوب بن سفيان الفسوي ،فقال: في حديثة خلل كثير ،ثم ساق يعقوب من روايته قول عمر في حديثه : (يا حذيفة بالله أنا من المنافقين؟) قال الفسوي :وهذا محال .قال ابن حجر : هذا تعنت زائد ، وما بمثل هذا تضعف الاثبات ولا ترد الاحاديث الصحيحة ، فهذا صدر من عمر عند غلبة الخوف ، وعدم امن المكر ،فلا يلتفت الى هذه الوساوس الفاسدة في تضعيف الثقات.
فعدم ادراك الفسوي لنفسية عمر ومقام الخوف الذي قال فيه ذلك حمله على تكذيب زيد في روايته وعد كلام عمر محالا وقد رد عليه ابن حجر بما يستحق.

*ادراكهم أن المرء قد يتكلم ببعض الكلام وهو غير مالك لقواه العقلية ويكون في ذلك الكلام ما يؤخذ عليه،فيلتمس اهل العلم المعذرة له ،لما غلب عليه من الضعف.
مثال ذلك ما ذكره الذهبي في ترجمة صالح بن محمد جزرة قال:أصيب بالحمى ،فكان الاطباء يختلفون اليه ،فلما اعياه الامرأخذ العسل والشونيز(الحبة السوداء)، فزادت حماه فدخلوا عليهوهو يرتعد،ويقول:بأبي انت يا رسول الله ما كان اقل بصرك بالطب!!قال الذهبي :وهذا مزاح لا يجوز مع سيد الخلق _صلى الله عليه وسلم_ولعل صالحا قال هذه الكلمة من الهجر _أي الهذيان_في حالة غلبة الرعدة ؛فما وعى ما يقول ،او لعله تاب منها والله يعفو عنه.

*ومن هذا القبيل ادراكهم لما تثيره الشحناء والعداوة بين الاقران والنظراء من ظلم بعضهم لبعض وتضخيم بعضهم سيئات بعض مع الاغضاء عن المناقب والحسنات .
مثال ذلك ما ذكره الذهبي في ترجمة مطّين محمد الحضرمي حيث قال:كان متقنا ،وقد تكلم فيه محمد بن ابي شيبة وتكلم هو فيه ،فلا يعتد غالبا بكلام الاقران ،ولاسيما اذا مان بينهما منافسة.

*وقد يضعون أصبعهم على سبب الفجوة بين عالمين ،فينصون عليه،ويكشفون بذلك عن الزغل الذي دخل الحكم ،على نحو ما ذكره الحافظ ابن حجر في ترجمة احمد بن صالح المصري الطبري من ان النسائي كان سيء الراي فيه ،لان النسائي لما قدم مصر أراد من احمد ان يحدثه ،وكان من عادة احمد ان لايحدث انسانا حتى يسال عنه .وان النسائي قد صحب قوما من اهل الحديث لا يرضاهم احمد ،فابى ان يحدثه فذهب النسائي فجمع الاحاديث التي وهم فيها احمدوشرع يشنع عليه وما ضره ذلك واحمد امام ثقة .
ولم تقتصر معرفة علماء الحديث على العلاقات الفردية بين الاشخاص ؛لكنها تجاوزت ذلك الى معرفة مزاج مدن وطوائف واشخاص تجاه بعض المدن او المذاهب الاخرى!وهذا ليس بالامر السهل ،لانه يتطلب استقراء واسعا ونظرا مركبا!
مثال ذلك طعن ابن سعد في محارب بن دثار ،وزعمه انه لايحتج به .وقد قال ابن حجر :احتج به الائمة كلهم ،لكن ابن سعد يقلد الواقدي ، والواقدي على طريقة اهل المدينة في الانحراف عن اهل العراق !

*ومن لطيف ما ادركه علماء المسلمين تفاوت الناس في الاحكام التي يصدرونها بحسب المواقع الثقافية التي يحتلونها والامزجة النفسية التي يتلبسون بها فالحافظ الكبير ينظر الى غيره نظرة تخالف نظرة من هو متوسط الحفظ ،تماما كما نقوّم نحن الان المؤلفات حيث يقول احدنا في كتاب :انه رائع ونفيس على حين يقول فيه الاخر :ليس فيه جديد.
ان اختلاف النظر في هذا بعض تطبيقات قانون النسبية .وقد نظر كثير من اهل العلم في احوال كثير من الائمة الذين قصدوا للجرح والتعديل وتصحيح الاحاديث وتضعيفها فمنهم من عرف بالتشدد ومنهم من عرف بالتوسط او التساهل ،فممن صنف مع المتشددين ابو حاتم والنسائي ،وممن عرف بالتوسط احمد بن حنبل وممن عرف بالتساهل الحاكم النيسابوري ، وهكذا .وفائدة هذه التقسيمات جليلة ،فسكوت المتشدد عن رجل ، فيه نوع من التزكية له ،وانفراد متشدد بالجرح عن الجماعة يعزى الى مقاييسه،ولا يضر كثيرا!

*ومنها ادراكم اختلاف المقاييس والمعايير التي ينطلق منها الناس في تقويم الاشخاص والافكار والاحداث كان القول المرضي عند المحدثين ان التعديل يقبل مبهما ،لان الاصل في المسلم العدالة ،ولكثرة اسبابه ،اما الجرح فينبغي ان يكون مفسرا _في الجملة_؛لان الاسباب التي بنى عليها المحدث جرحه قد لا تكون كافية لاسقاط الاحتجاج ،او لانه قرا بعض احواله ،او بعض ما قيل فيه قراءة خاطئة ،مبعثها الوهم او سوء التقدير ، فيكون في ذلك ظلم واخلال بالعدل الذي قامت عليه السماوات والارض.
ومثال ذلك ما ذكره ابن حبان في ترجمة بشر الحمصي جيث قال:وروي عن البخاري انه قال :تركناه،قال الحافظ ابن حجر :وهذا خطأ من ابن حبان نشأ عن حذف ،وذلك أن البخاري انما قال في تاريخه تركناه حيا سنة اثنتي عشرة ،فسقط من نسخة ابن حبان لفظة "حيا " فتغير المعنى.
*ادراكهم لما يعرض للانسان من الاحوال كاختلاط العقل بسبب الكبر،او بسبب مرض، وهذا يؤدي طبعا الى عدم الاخذ عنه .وقد حرص المحدثون على بيان تاريخ الاختلاط ،فيوثق بما روي عنه قبل الاختلاط ،ويهدر ما روي عنه بعده ،ومن اللطيف في هذا ان اسرة الراوي قد تكون على وعي بما يترتب على الرواية عن المختلط ،فتصير الى حجبه عن الناس ،ويمنعون الناس من الرواية عنه.
ومن ذلك ان ابن سعد قال:جرير بن حازم الازدي ثقة ،الا انه اختلط في اخر عمره ،قال ابن حجر:لكنه ما ضره اختلاطه ،لان احمد بن سنان قال:سمعت ابن مهدي يقول :كان لجرير اولاد ،فلما احسوا باختلاطه حجبوه ،فلم يسمع احد منه في حال اختلاطه شيئا .
هذه التفصيلات_وغيرها كثير_في احوال الناس ليس لها مثيل عند امة من الامم ،وهي تمثل قمة الموضوعية .
***
ج)اللغة الكمية:
تشكو معالجة القضايا الانسانية كافة من نسبية دلالة الالفاظ الواصفة لاحوالنا واحوال كل ما نتعامل معه من حولنا ،فحين نقول :فلان غني،فما هوغناه ؟من الواضح ان معنى هذه الكلمة يحدده حال القائل ؛فالمدقع الذي لا يملك شيئا يرى اكثر الناس اغنياء على حين تكون نظرة كبار الاثرياء لمدلول هذه الكلمة عندما يستخدمونها مختلفة تماما.
واستخدام اللغة الكمية اليوم يمثل مؤشرا هاما من مؤشرات التقدم العلمي ؛ومن هنا كانت محاولات المحدثين في هذا الصدد قفزة ذهنية ،وحضارية متفردة ،وذلك حين عمدوا الى تحديد معاني الالفاظ الدالة على الجرح والتعديل وترتيبها (كثقة وصدوق ومقبول ..)،لانعكاس ذلك على قيمة النص الذي يرويه العالم وقيمة الراي الذي يبدية. وصحيح ان كل تحديد في هذا الباب سيظل قاصرا عن بلوغ النهاية ،لكن ما فعلوه كان اقصى ممكن في حول البشر.
***
د)الانصاف:
لعل من اشد ما نحتاجه اليوم في التعامل مع بعضنا البعض خلق الانصاف الذي يقتضي ذكر محاسن الشخص ومثالبه عند الحاجة الى تقويمه مهتدين بقول الله _تعالى _: (ولا تبخسوا الناس اشياءهم)،فاذا ذكر فاسق ،او شاعر ملحد ،او عدو عاقل ،واردنا تقويمه وجب ان يشار الى الصفتين معا انصافا له اولا ،ومحافظة على رؤية متوازنة للامور ثانيا ،وحرصا على تكوين مزاج صحيح للامة ثالثا ،وابقاء على هامش للتفاعل معه رابعا.
قال عبد الرحمن بن مهدي: (حين ذكر ان اهل العلم يكتبون مالهم ،وما عليهم،واهل الاهواء لا يكتبون الا ما لهم).
*اول ما يصادفنا من مفردات منهجهم في هذا الباب انتصاف الواحد منهم من نفسه بالرجوع عن الخطا ،او الاعتراف لبعض طلابه بانه اعلم منه في بعض العلوم.
من هذا القبيل ما نقل عن الامام الشافعي انه قال لتلميذه الامام احمد بن حنبل :انتم اعلم بالاخبار الصحاح منا ،فاذا كان خبر صحيح فاعلمني حتى اذهب اليه كوفيا كان او بصريا او شاميا.

*ومما نجده في باب الانصاف المواقف الشجاعة التي ينقد فيها المرء اخص اقربائه ،ويكشف عن احوالهم في سبيل نصاعة الحقيقة ،وحفظ مراشد الحق من الانطماس .
مثال ذلك قول عبد الله بن عمرو :قال لي زيد بن انيسة :لا يكتب عن اخي ؛فانه كذاب !!

*ومن اجمل مظاهر الانصاف انصاف الخصوم بذكر محامدهم ومناقبهم ،ونجد في هذا المقام اعتدال اهل السنة والجماعة مع الفرق والطوائف التي يرون انحرافها عن الحق ،وانغماسها في الانحراف ،وهذا مع ان كثيرا من الفرق لم ينصفوا اهل السنة والجماعة ،بل ان منهم من يكفرهم ،ومع هذا فانهم يعطونهم حقهم دون بخس او شطط.
فمن ذلك ان الشيخين البخاري ومسلما رويا عن العشرات من اهل الاهواء والبدع كالخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية وغيرهم.
وحين بترجم اهل السنة والجماعة لاحد من اهل الاهواء فانهم ينصفونه بذكر صورة كاملة فيها المناقب والمثالب ،كما يفعلون تماما حين يترجمون لواحد منهم ،وهذا ما نلمسه في عدد كبير من الشواهد منها: قول الذهبي في صدقه بن الحسين: العلامة الفَرَضي المتكلم المتّهم في دينه.

*ومن جملة مظاهر الانصاف عدم اعتدادهم بكل قول يقال ،فقد يكون القائل مغرضا او جاهلا او متعنتا او قلد من هو كذلك ،وقد يكون القائل غير مؤهل لاصدار الاحكام فيما جرح ،وقد يكون طعنه فيه غير معلل،والمطعون فيه موثق.وقد يكون عاب ما ليس موضع عيب ،او ما هو عيب نسبي لا يستدعي الاعراض عنه...الخ.
ومن النماذج على ذلك ما اجمله ابن حجر من الدفع عن بعض من تكلم فيه من رجال البخاري ومسلم حيث كان مما ذكره قوله:ابان بن يزيد العطار ،نقل الكديمي تضعيفه والكديمي واه ،ابراهيم بن سويد بن حيان تكلم فيه ابن حِبان بلا حجة...الخ

*ومن انصافهم التفصيل في جوانب المعرفة لدى اهل العلم ؛فقد يكون المرء بارعا في علم من العلوم ،لكنه مقصر في علم آخر ،او يكون غير ثبت فيما اخذه عن بعض شيوخه ويكون حجه فيما اخذه عن شيخ آخر.
ومن هذا الضرب ما ذكره ابن حجر في تراجم بعض رواة البخاري حين قال:سلام بن مطيع تكلم في حديثه عن قتادة خاصة .عبد الكريم بن مالك الجزري تكلم ابن معين في حديثه عن عطاء خاصة...
***
ان هذه التجليات الموضوعية التي سقناها تجاه التعامل مع الاشخاص هي وليدة التعاليم الاسلامية في هذا المجال .وما وجد في حياتنا قديما وحديثا مما يخالف ما عرضناه هو قعود عن مسايرة المنهج ،او انحراف عنه .وكلما تجذر المسلم في فهم دينه وجد نفسه مغمورا بالموضوعية دون دراية منه.
دراسة الفصل الأول
مفهوم الثقافة
في العلوم الاجتماعية
لدوني كوش
ورقة عمل : باشراف د।عبد الله العويسي
اعداد:
حنان الحمداء
سارة الزامل
ريم الحسن
بدرية الشمري
أروى الفقيه
الأصل الاجتماعي لكلمة ثقافة وفكرتها
شرع المؤلف في بيان معنى (مفهوم الثقافة) واستعماله في العلوم الاجتماعية
ولهذا السبب:
س/ هل ما نقوم به إذا تحليل لغوي للكلمة ؟
لا وإنما توضيح للروابط القائمة بين تاريخ كلمة ثقافة وتاريخ كلمة الأفكار.ركز على تكون المفهوم كما هو مستعمل في العلوم الاجتماعية

لذلك إذا أردنا فهم المعنى الحالي لمفهوم الثقافة واستعماله
في العلوم الاجتماعية من الضروري أن نعود إلى أصله الاجتماعي
والى تسلسل نسبه ..أي نريد النظر في كيفية تشكل الكلمة
في المفهوم العلمي المرتبط بها وبالتالي البحث عن أصله وتطوره الدلالي.


من مسيرة كلمة ثقافة لا نحتفظ إلا بما يوضح تكون المفهوم كما هو مستعمل في العلوم الاجتماعية.. والسبب في ذلك يعود..
لنشأة الدراسات الثقافية في حجر علماء الاجتماع.

مراحل تطور كلمة ثقافة
أولا / تطور الكلمة في اللسان الفرنسي منذ القرون الوسطى إلى القرن التاسع عشر:
1) في أواخر القرن الثالث عشر.. ظهرت منحدره من كلمة لاتينية.. تعني العناية بالحقل والماشية .. إشارة إلى الأرض المحروثة.

2) بداية القرن السادس عشر: تطورت الكلمة عن الدلالة على حالة
س / هل كان هذا المعنى المجازي دارجا بكثرة؟
لا لم يكن دارج بكثرة حتى منتهى القرن السابع عشرا
الشيء المحروث لتدل على فعل وهو فلاحة الأرض.

3) منتصف القرن السادس عشر: تكون المعنى المجازي للكلمة
فأصبحت كلمة ثقافة تشير إلى تطوير كفاءة.. أي الاشتغال بإنمائها.

4) القرن الثامن عشر:
أ / بدأت كلمة ثقافة تفرض نفسها في معناها المجازي أي المعنى الدال على ثقافة فكر. (وتحول المعنى من تهذيب الأرض إلى تهذيب العقل)
ودخلت بمعناها هذا معجم الأكاديمية الفرنسية.. وأصبحت متنوعة
والسبب في كونها متنوعة؟
لأنها متبوعة بمضاف يدل على موضوع الفعل
فيقال: ثقافة الآداب.. ثقافة الفنون.. ثقافة العلوم وهكذا.
ب/ تحررت كلمة ثقافة تدريجياً من علاقتها بالمضاف لينتهي
بها الأمر لاستعمالها منفردة للدلالة على تكوين الفكر وتربيته

ملاحظة: في هذا القرن حدثت حركة معاكسه في تطور الكلمة لما حصل في القرن السادس عشر
- في القرن السادس عشر انتقلت الثقافة من وصفها حالا إلى وصفها فعلا
من حالة الأرض المحروث ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إلى فعل الحراثة

- وفي القرن الثامن عشر انتقلت من وصفها فعلا إلى وصفها حالا
من فعل أو عملية التعليم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ إلى حالة العقل المثقف عن طريق التعليم أي حالة الفرد الذي يملك الثقافة


ظلت كلمة ثقافة في القرن الثامن عشر مستخدمة في صيغة المفرد وهو ما يعكس عالمية النزعة الإنسانية للفلاسفة
والسبب في ذلك:
لأن الثقافة شيء خاص بالإنسان دون أن يعني هذا أي تمييز بين الشعوب أوالطبقات.

يعتبر القرن الثامن عشر فترة تشكل المعنى الحديث لكلمة ثقافة
معلومة:
حركة الأنوار نشأت في انجلترا إلا أن لغتها ومفرداتها قد نشأت في فرنسا.

وقد برز هذا التشكل في اللغة الفرنسية منذ عصر الأنوار وأصبحت كلمة ثقافة من مفردات لغة ذلك العصر .

المقصود "بعصر الأنوار" القرن 18 الذي ظهرت فيه حركة فكرية في أوربا و في فرنسا على الخصوص ضد الكنيسة التي تحرم العلم والمعرفة ، واتخذت هذه الحركة من الإنسان و حقوقه أساسا للمواضيع المتناولة سواء في الميدان العلمي أو السياسي أو الإنساني و جعل العقل حكما لرفض أو قبول أي شيء كان و العمل على إنشاء مجتمع جديد يقوم على الديموقراطية و الحرية و المساواة ..
إيديولوجية:
تعني الفكر
ترسخت كلمة ثقافة في إيديولوجية عصر الأنوار واقترنت بأفكار
التقدم والتطور والتربية والعقل التي كانت تحتل مكان الصدارة
في تلك الفترة.

س/ ما الأمر الذي ترتب على ترسخ كلمة ثقافة في إيديولوجية عصر الأنوار؟
ترتب عليه اقتراب كلمة ثقافة من كلمة أخرى حازت نجاحا كبيرا أكبر مما حازته كلمه ثقافة ضمن معجم القرن الثامن عشر وهي كلمة حضارة.

س/ مصطلح حضارة وثقافة هل هما مترادفين تماما؟
الكلمتان تنتميان إلى الحقل الدلالي نفسه وتعكسان المفاهيم
ثقافــــة ـــــــــ تقدم فردي
حضارة ـــــــــ تقدم جماعيالأساسية نفسها إلا أنهما غير مترادفتين تماما
- كلمة ثقافة تستخدم أكثر في التقدم الفردي
- كلمة حضارة تستخدم في التقدم الجماعي

- كلمة حضارة مثلها مثل كلمة الثقافة مفهومها واحدي لا تستخدم إلا في صيغة المفرد
تعريف الحضارة: هي عملية تحسين المؤسسات والتشريع والتربية.
- تحررت كلمة حضارة عند الفلاسفة الإصلاحيين من دلالاتها
على تهذيب الأخلاق إلى دلالتها على العملية التي تخلص الإنسانية
من الجهل واللاعقلانية
- يمكن للحضارة أن تشمل كل الشعوب التي تكون البشرية منها.
إضــــاءة
استخدام كلمتي" ثقافة" و "حضارة" في القرن الثامن عشر قد حدد ظهور فهم جديد لا يقدس التاريخ.
إذاً، فاستخدام كلمتي" ثقافة" و "حضارة" في القرن الثامن عشر قد حدد ظهور فهم جديد لا

بسبب مفهوم الثقافة والحضارة في القرن الثامن عشر..
برز مصطلح (علم الإنسان) وقد استخدمه ديدرو للمرة الأولى
ثم ابتدع ألكساندر دو شافان مصطلح علم الإنسان باعتباره العلم الذي يدرس "تاريخ تقدم الشعوب نحو الحضارة".‏.

5) القرن التاسع عشر:
- تطور وتوسع فهم كلمة ثقافة:فقد اغتنت كلمة ثقافة ببعد جماعي ولم تعد تنسب إلى التطور الفكري للفرد فحسب بل تشير أيضا إلى مجموعة من الصفات الخاصة بجماعة بشرية معينة..
والسبب في هذا التطور للكلمة:
بسبب الافتتان الذي ساد بعض الأوساط المثقفة نوعا ما إزاء الفلسفة والآداب الألمانية التي كانت في عزّ تألقها
- بقيت كلمة ثقافة قريبة جدا من حضارة ولطالما استخدمت احدهما للدلالة على الأخرى
- بقي المفهوم الفرنسي متميزا بتركيزه على فكرة وحدة النوع البشري.
- رفضوا المقابلة التي يقيمها الألمان بين الثقافة والحضارة.



ثانيا/ تطور الكلمة في اللسان الألماني:
1) في القرن الثامن عشر
ظهرت كلمة ثقافة بالمعنى المجازي في اللسان الألماني وكأنها نقل حرفي للكلمة الفرنسية.
س/ ما العوامل إلي أثرت على نقل تلك الكلمة من الفرنسية إلى الألمانية؟
1/ استخدام اللغة الفرنسية الذي كان علامة مميزه للطبقات العليا ف ألمانيا آنذاك
2/ تأثير عصر الأنوار.

2) في النصف الثاني من القرن الثامن عشر
تطورت الكلمة تطورا سريعا وأصبحت أكثر تحديدا من نظيرتها الفرنسية وحازت على نجاح لم تحظى به من قبل

س/ ما سبب هذا النجاح؟؟
يروى البورجوازيون أن القيم الروحية وحدها هي القيم الأصلية والعميقة
أما الأخرى فهي قيم سطحية وتفتقر إلى الصدقيرجع ذلك إلى تبني الطبقة البورجوازية المثقفة الألمانية
لمصطلح الحضارة واستخدامهم لها في معارضة
الطبقة الارستقراطية ..فقامت الطبقة البورجوازية بوضع
قيم سموها روحية قائمة على العلم والفن والفلسفة في مقابل قيم
المجالات الأرستقراطية

العلاقة بين الطبقتين (الارستقراطية و البورجوازية) :
كان الوضع بين الطبقتين في ألمانيا على العكس مما كان عليه في فرنسا
-الأرستقراطية
هي الطبقة العليا.
-البورجوازية
هي الطبقة الوسطى.
-البرولتيارية
هي الطبقة العاملة.كان هناك تباعد اجتماعي بين الطبقتين وبينهما بغضاء
وكانت قصور الأمراء محكمة الإغلاق واستبعد البورجوازيون
بشكل كبير عنها وعن أي عمل سياسي..
وهذه المسافة الاجتماعية غذت شعورا بالمرارة لدى
عدد كبير من المثقفين ن هذه الطبقة.. وهذا ما دفعهم للانجاز...
ولكن منذ ذلك الوقت بدء الصعود التدريجية لهذه الشريحة
الاجتماعية الوسطى المثقفة وصار لها صوتها في القومية الألمانية
النجاح في جميع المجالات
ليس حكرا على الطبقات العليا بل على العكس قد تنتج الطبقات الدنيا مالا تنتجه الطبقات العليا
كما حصل مع طبقة البورجوازيون.


عللي:
عد البورجوازيون الألمان أن تلك الطبقة الاستقراطية مفتقرة إلى
الثقافة وان كانت تدعي التحضر؟؟
ذلك بسبب إهمالهم للفن والأدب وتكريس جل وقتهم لاحتفالات
البلاط مقلدين الأساليب المتحضرة للبلاط الفرنسي.

من هنا أصبح يمكننا التفريق بين مصطلح ثقافة ومصطلح حضارة:
- كل ما ينشأ عن الأصالة ويساهم في الإنماء الفكري والروحي يعتبر ناجما عن الثقافة
- أما المظاهر البراقة والخفة والتهذيب السطحي فينتمي إلى الحضارة

الثقافة تتعارض مع الحضارة
كما يتعارض العمق مع السطحية






3)
تعتبر الفكرة الثقافية الألمانية من ابتداع
الطبقة البورجوازية التي تشعر أنها مستبعده من السلطة والشرففي القرن التاسع عشر
أ/ تحولت كلمة ثقافة من كونها علامة مميزه للبورجوازية الألمانية
المثقفة إلى علامة مميزة للأمة الألمانية بأكملها..
وأصبحت السمات المميزة للطبقة المثقفة التي كانت تستعرض
ثقافتها كالصدق والعمق والروحانية سمات نوعية ألمانية.‏
وقد كان ذلك تعبيرا عن وعي قومي يبحث عن السمات المميزة
تيقن الألمان:
أن الأمة الثقافية تسبق الأمة السياسية وتدعوا إليها
للشعب الألماني في موازاة قوة الدول المجاورة كفرنسا وانجلترا
فكانوا يبحثون في ظل انقساماتهم السياسية عن إثبات وجودهم
بتمجيد ثقافتهم

ب/ ثم تطورت الفكرة الألمانية الخاصة بالثقافة وارتبطت
أكثر فأكثر بمفهوم الأمة وتبدوا الثقافة كمجموعة من الفتوحات الفنية
والفكرية والأخلاقية التي تشكل ميراث أمه


أصبح هناك تفريق بين الحضارة والثقافة
- فالثقافة هي منجزات الفكر وأخذ الكتاب الرومنطيقيون
ويقابلون الثقافة بما هي تعبير عن الروح العميقة لشعب معين
- والحضارة هي التقدم المادي المرتبط بالانجازات التقنية والاقتصادية

الرومنطيقيون
يقصد بهم الرومنسيون





القرن العشرون ((المناقشات الفرنسية-الألمانية حول الثقافة))



أدت المنافسة بين النزعتين القوميتين الفرنسية والألمانية والجدل الذي امتد منذ القرن الثامن عشر إلى العشرين إلى تفاقم الجدل الإيديولوجي بين مفهومين حول الثقافة
وتحولت الكلمتان إلى شعارين يتم استخدامهما كما تستخدم الأسلحة.

- المفهوم الألماني: يعتبر الثقافة مفهوما ذاتيا يسعى إلى تحديد الاختلافات القومية وتعزيزها.
- المفهوم الفرنسي: فهو يعبر عن أمة حققت وحدتها القومية منذ زمن بعيد.
(فكرة وحدة الجنس البشري)
وهذا ما يفسر الانحدار النسبي الذي أصاب فرنسا في بداية القرن العشرين.
يقول رينان:" إن من يرى نفسه في الأمة الفرنسية مهما كان أصلة فإنه ينتمي إليها:"
وبهذا يكون لدينا نموذجان لمفهوم الثقافة
.وهما في العمق شكلان لتحديد مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية.

عرض موجز لخاصيتين من خصائص النظم الاسلامية

عرض مختصر لخاصيتين من خصائص النظم الاسلامية
"الثبات وموافقة الفطرة"

اولا:الثبات:
إن مما تميزت به النظم الاسلامية الثبات ،أي انها لاتتغير بمرور الايام ،وتبدل الاحوال،ولا باختلاف الاراء،او فقد الاشخاص لان مصادرها ثابتة و محفوظة وهي القران الكريم والسنة النبوية المطهرة : يقول تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ،ويقول _صلى الله عليه وسلم_: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ ، فَلاَ تُضَيِّعُوهَا وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ ، فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا ، فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ ، فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا) .
ومع أن مصادر النظم الاسلامية ثابتة ونصوصها محدودة في الكتاب والسنة الا أنها لبت احتياجات الانسان ومتطلبات حياته التي يعجز البشر عن جمعها ،ويرجع ذلك الى أنها جمعت مع الثبات التطور فلم تغفل جانب المتغيرات التي تطرا على الحياة البشرية،قال تعالى: (وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين) ،"والعالمين "لفظ يشمل الزمان والمكان على اقصى اتساع وبلا حدود.
يقول الامام الشاطبي _رحمه الله_: (ثبت أن الشارع قد قصد بالتشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية، فذلك على وجه لا يختل لها به نظام، لا بحسب الكل ولا بحسب الجزء، وسواء في ذلك ما كان من قبيل الضروريات أو الحاجيات أو التحسينيات، فإنها لو كانت موضوعة بحيث يمكن أن يختل نظامها أو تنحل أحكامها، لم يكن التشريع موضوعا لها، إذ ليس كونها مصالح إذ ذاك بأولى من كونها مفاسد، لكن الشارع قاصد بها أن تكون مصالح على الإطلاق، فلا بد أن يكون وضعها على ذلك الوجه أبديا وكليا وعاما في جميع أنواع التكليف والمكلفين من جميع الأحوال، وكذلك وجدنا الأمر فيها، والحمد لله).
إن ثبات النظم الاسلامية ميزة عظيمة جعلت الطريق مذللا والهدف واضح،فليس امام المسلمين الا الرجوع الى مصادر الدين القويم ليستقوا منها النظم والتشريعات التي تنظم حياتهم وامور معاشهم من خالقهم الذي هو اعلم بهم وبما يصلح دينهم ودنياهم،وشتان بين تشريع رب العالمين وبين تشريعات البشر ونظمهم التي تقوم على العقل البشري المجرد فلا تلبث أن تتغير وتتبدل بتغير الاشخاص والازمان والاجناس فليس لها أساس ثابت يحكمها ولا علم محيط ينظمها فتبارك الله رب العالمين.

ثانيا:موافقة الفطرة:
موافقة النظم الاسلامية للفطرة من أهم مميزاتها، وهي تستمد هذه الخاصية من الرسالة نفسها، فالإسلام دين الفطرة، وهذا لا يعني أن غيره من الأديان التي أنزلها الله لم يكن موافقًا الفطرة، لكنها كانت أديان محدودة ومحصورة في الزمان والمكان؛ ولذلك جاءت موافقتها للفطرة محدودة في موافقتها لفطرة أهلها في زمانهم ومكانهم وحسب ،لكن رسالة الإسلام الخالدة التي ارتضاها الله لخلقه حتى قيام الساعة، ولذلك جاءت شريعته إعجازية في موافقتها للفطرة على امتداد الزمان والمكان وتنوع الأشخاص والأحوال.
إن الله تعالى خالق الفطرة البشرية وهو العلم بما يصلح لها في دنياها واخراها ،فشرع لعباده من النظم ما يوافق فطرتهم ،قال تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) .
فليس في النظم الاسلامية ما يعارض الفطرة السليمة ويقاومها ،بل إن المتأمل لنصوص القرآن والسنة يجد للعقل مكانا عظيما في الاسلام فان الله _تعالى_خص به البشر وخاطبهم،وجعل العقل هو مناط التكليف وفي النظم الاسلامية ما يحقق الحرية للانسان ويوفر له الكرامة،فإن مخالفة الفطرة في بعض النظم والقوانين أدت إلى ألوان من الفوضى الاجتماعية والخلقية والسياسية، فالنظم الاسلامية موافقة للفطرة ومؤداها هو الفطرة.
لقد خلق الله في الفطرة الإنسانية مجموعة من الدوافع تعين الإنسان على القيام بأمر الله في هذه الحياة وتضمن سلام القطيع الإنساني كله، كدافع الطعام والشراب والملبس والمسكن والجنس والتملك وإثبات الذات، ومع أهمية هذه الدوافع وضروريتها، لكنها تصبح محل خطورة إذا تركت بلا ضابط يضبطها أو قاعدة سوية تحكمها وتنظمها؛

وكانت كيفية التحكم في هذه الدوافع البشرية هي القضية التي شغلت أذهان الفلاسفة والحكماء عبر التاريخ البشري، فبينما رأى بعضهم الاسترقاق لهذه الدوافع واعتبار تحصيلها غاية تسخر لها الوسائل والطاقات، رأى البعض الآخر أن إهمال هذه الدوافع وهجرها هو معيار النجاح وميزانه، وبين هذين المذهبين تشتت جهد البشرية، وأصابها القلق والفصام النفسي، وعاشت لا تهنأ بأي الأمرين اختارت ،فجاءت الشريعة الاسلامية بالوسط بين النقيضين ، فسمحت لهذه الدوافع بالقدر المعقول من الحركة، فلم تعطلها ولم تكبتها من أصولها ، وفي الوقت ذاته تضبط منطلقها فلا تتحول إلى شهوات، فيأخذ الإنسان نصيبه من المتاع الطيب، وينضبط سلوكه في ذات الوقت في الحدود التي لا تعود عليه بالعطب والدمار، وفي الوقت ذاته يعمل على تهذيب هذه الدوافع والارتفاع بها إلى أقصى ما يملك الإنسان من رفعة في حدود كيانه البشري، فلا تصبح شهوات جامحة وإنما رغبات منضبطة بالحدود التي رسمها الله – بعلمه وحكمته – وقال عنها : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا ) . و( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا ) .










المراجع
اضواء على الشريعة الاسلامية/د.احمد فؤاد محمود/دار اشبيليا الطبعة الاولى 1421هـ
الثبات والتطور في التشريع الاسلامي/اعداد :هدى جميل عمر عمر/رسالة ماجستير من جامعة نابلس بفلسطين 1424هـ

الكتاب : سنن الدارقطني
المؤلف : لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني [306 - 385]
ـــــــــــــــ
تدقيق مكتب التحقيق بمركز التراث للبرمجيات
أرقام هذه النشرة تتفق مع طبعة مؤسسة الرسالة
الكتاب : الموافقات
المؤلف : إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (المتوفى : 790هـ)
المحقق : أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان
الناشر : دار ابن عفان
الطبعة : الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م
عدد الأجزاء : 7
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

مقالة الشريعة والفطرة الانسانية لسيد محمود /موقع لواء الشريعة ،على الرابط http://www.shareah.com/index.php?/records/view/action/view/id/1417/

مدخل في مصطلحات علم الثقافة

أولا ً : الثقافة ..
أ‌- التعريف اللغوي :
ترد كلمة الثقافة ومشتقاتها في اللغة العربية على معان عدة منها :
الحذق وتقويم المعوج من الأشياء , وثقف الرماح أي سواها وقوم اعوجاجها [1].
وقد تستعمل كلمة الثقافة بمعنى الأخذ والإدراك والظفر , وقد جاء ذلك في قوله تعالى : " ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً " [2] , وفي قوله واقتلوهم حيث ثقفتموهم " [3] .
وخلاصة الدلالة اللغوية للفظ الثقافة أنه يتركز في معنيين :
أحدهما : التفوق الفكري لدى الإنسان ، فالثقيف أو الثقف هو المتفوق الضابط للمعرفة , والثقافة هي ما به حصل هذا التفوق .
وثانيهما : تقويم الأشياء لتستوي معتدلة , سواء كانت مادية أو معنوية .
فالمعنى الأول ذاتي لدى الإنسان , والثاني يمارسه مالك الثقافة ليثقفهم به , أي ليقومهم لا ليعرفهم أو يعلمهم فحسب [4]
هذا فيما يتعلق بمعنى كلمة الثقافة في لغتنا العربية , أما في اللغات الأجنبية فيدور معنى الثقافة (culture) في أصلها اللاتيني على فلاحة الأرض وتنمية محصولاتها , ثم أخذت هذه الكلمة تتوسع لتشمل تنمية الأرض بالمعنى المادي أو الحسي , وتنمية العقل والذوق والأدب بالمعنى المعنوي , ثم طور معناها فلاسفة العصور الحديثة , فأصبحت تعني مجموعة عناصر الحياة وأشكالها ومظاهرها في مجتمع من المجتمعات [5] .



ب‌-المعنى الاصطلاحي :
لم نجد عند علماء العربية والإسلام – في الزمن الماضي – مفهوماً اصطلاحياً للثقافة وقد يرجع السبب في ذلك إلى أن هذه الكلمة لم تكن شائعة الاستعمال في أيامهم , فلم نجدهم ينعتون العلماء أو الباحثين بها , كما أنهم أيضاً لم يتناولوها بدراسة مستقلة أو مميزة [6] .
في العصر الحديث في بدايات تفاعل الفكر العربي مع الفكر الأوربي وجد المفكرون العرب لدى الغرب مجال اهتمام معرفي محدد يتمثل في نمط الحياة الاجتماعية في الفكر والسلوك ويطلقون عليه لفظ (culture) فترجمه أحد المفكرين العرب إلى لفظ (ثقافة) ؛ لأنه حسب قوله دلالته مقاربة لما أورده ابن خلدون فيه , وهذا المفكر هو سلامة موسى الذي يقول : "كنت أول من أفشى لفظة الثقافة في الأدب العربي الحديث , ولم أكن أنا الذي سكها بنفسه , فإني انتحلتها من ابن خلدون , إذ وجدته يستعملها في معنى شبيه بلفظ (culture) الشائعة في الأدب الأوربي " [7] .
وعلى هذا جاء تعريف الثقافة بالمعنى الاصطلاحي تعريفاً حديثاً على يد المجمع اللغوي الذي عرفها بأنها : جملة العلوم والمعارف والفنون التي يطلب الحذق بها .
وعرفها تيلر بأنها:ذلك الكل المعقد الذي ينطوي على المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف والعادات وغير ذلك من القدرات التي حصل عليها الفرد بوصفه عضواً في مجتمع [8] .
وهناك تعاريف عدة لها فالتربويين لهم تعريف وعلماء الإنسان لهم تعريف كذلك بعض المفكرين عرفوها بتعريف , أيضاً في الغرب اهتم المفكرين بها والعلماء بتحديد المعنى الاصطلاحي لهذه الكلمة , وخلاصة الأمر في هذا أن التعريفات الاصطلاحية للثقافة تعددت عند فلاسفة الشرق والغرب بصور تتقارب في الفكرة وتتفاوت في الألفاظ والصياغات [9] .


ج- عناصر الثقافة :
العناصر الأساسية التي تشكل الثقافة وتحدد شخصية المجتمع أو الأمة , ويقوم بها التمايز بين الأمم تتمثل في عناصر ثلاثة :
>>هذه العناصر تتضمنها جميع الثقافات القائمة على الأرض , وحتى المندثرة , والخلاف بين الثقافات لا في وجودها وعدم وجودها , وإنما في صفاتها وأنواعها <<

1- تفسير الوجود : أي التصورات الذهنية التي تكون إجابات على الأسئلة الكبرى الفطرية لدى الإنسان عن الإنسان نفسه , أصله وحقيقته ومصيره وعن الكون المحيط به , وعما وراء هذا الكون من وجود غيبي , وعما وراء هذه الحياة من مستقبل ... إلخ , سواء استمدت من دين إلهي أو من فلسفة بشرية أو من أساطير متولدة عبر الزمن .


2- القيم : وهي قيم خلقية تحكم على الأعمال خيراً أو شراً , وقيم جمالية تحكم على الأشياء حسناً أو قبحاً , وقيم فكرية على الأشياء حقاً أو باطلاً .
>> قد تسمى أعرافاً أو أخلاقاً أو مناهج فكرية أو ذوقية أو قوانين عامة <<


3- النظم التشريعية في جوانب الحياة : وهي العبادات والتعاملات والحياة الاجتماعية سياسية واقتصادية وغيرها , قد تكون نظماً مدونة أو عرفية ومنها الدساتير والقوانين والأعراف والتقاليد [10] .

ثانيا:العلم
المعنى اللغوي:
من علمت الشئ أعلمه علما: أي عرفته، وعالمت الرجل فعلمته بالضم: أي غلبته بالعلم، ورجل علامة أي عالم جدا، والهاء للمبالغة[11].

المعنى الاصطلاحي:
هو الإعتقاد الجازم المطابق للواقع، وقال الحكماء هو حصول صورة الشيء في العقل والأول أخص من الثاني وقيل العلم هو إدراك الشيء على ما هو به[12].
قال الشاطبي رحمه الله في كتابه الموافقات[13] العلم هو كل علم شرعي فطلب الشارع له إنما يكون من حيث هو وسيلة إلى التعبد به لله تعالى، لا من جهة أخرى, فإن ظهر فيه اعتبار جهة أخرى؛ فبالتبع والقصد الثاني، لا بالقصد الأول، والدليل على ذلك أمور:
أحدها: أن كل علم لا يُفيد عملا؛ فليس في الشرع ما يدلُّ على استحسانه، ولو كان له غاية أخرى شرعية؛ لكان مستحسنا شرعا، ولو كان مستحسنا شرعا؛ لبحث عنه الأولون من الصحابة والتابعين , وذلك غير موجود، فما يلزم عنه كذلك.
والثاني: أن الشرع إنما جاء بالتعبُّد، وهو المقصود من بعثة الأنبياء -عليهم السلام- كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [النساء:1]
وما أشبه ذلك من الآيات التي لا تكاد تُحصى، كلها دال على أن المقصود التعبد لله، وإنما أُتوا بأدلة التوحيد ليتوجهوا إلى المعبود بحق وحده، سبحانه لا شريك له.
والثالث: ما جاء من الأدلة الدالة على أن روح العلم هو العمل، وإلا؛ فالعلم عارية وغير منتفع به؛ فقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].
ورُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يُسأل عن خمس خِصال"، وذكر فيها: "وعن علمه, ماذا عمل فيه؟"
وهذا يُحقق أن العلم وسيلة من الوسائل، ليس مقصودا لنفسه من حيث النظر الشرعي، وإنما هو وسيلة إلى العمل، وكل ما ورد في فضل العلم؛ فإنما هو ثابت للعلم من جهة ما هو مكلف بالعمل به؛ فلا يقال: إن العلم قد ثبت في الشريعة فضله، وإن منازل العلماء فوق منازل الشهداء، وإن العلماء ورثة الأنبياء، لأنا نقول: لم يثبت فضله مطلقا بل من حيث التوسل به إلى العمل، بدليل ما تقدَّم ذكره آنفا.
فإذا علمنا أن العلم وسيلة، فإن أعلى ذلك العلم بالله، ولا تصح به فضيلة لصاحبه حتى يصدِّق بمقتضاه، وهو الإيمان بالله، ويكون للعلم فضيلة، وإن لم يقع العمل به على الجملة، كالعلم بفروع الشريعة والعوارض الطارئة في التكليف، إذا فُرض أنها لم تقع في الخارج؛ فإن العلم بها حسن، وصاحب العلم مُثابٌ عليه وبالغ مبالغ العلماء.
فالعلم المعتبر شرعا -أعني الذي مدح الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أهله على الإطلاق- هو العلم الباعث على العمل، الذي لا يُخلي صاحبه جاريا مع هواه كيفما كان، بل هو المقيد لصاحبه بمقتضاه، الحامل له على قوانينه طوعا أو كرها،ولا يُنكر فضل العلم في الجملة إلا جاهل وذكر الجمهور كون صاحبه شريفا، وأن قوله نافذ وحكمه ماض على الخلق وأن تعظيمه واجب على جميع المكلفين، إذ قام لهم مقام النبي؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء[14].





ثالثا:المثقف..
بعد ان عرفنا مفهوم الثقافة يحسن بنا هنا ان نبين معنى المصطلح الذي يوصف به حامل هذه الثقافة وهو (المثقف).
المعنى اللغوي:
نجد في لسان العرب لابن منظور: ثقف الرجل ثقافة أي صار حاذقا فطنا فهو ثقف وثقف مثل حذر[15].
قال ابن دريد: ثقفت الشيء حذقته ,,وثقفته إذا ظفرت به[16].

المعنى الاصطلاحي:
إن أي إنسان له نصيب من الثقافة، أيا كان مقدار ما يحمل من تصورات عن العناصر الثلاث، فكل إنسان لديه تصورات عن الوجود وعن ذاته ويتمثل مجموعة من القيم ولديه نظم لحياته فيكون لديه ثقافة، لكن لا يُسمى (مثَقَّفاً) إلا إذا حمل من المعرفة بهذه العناصر ما يتجاوز مستوى العامة.
أما المثقف كمصطلح على فئة معينة من الناس لها دور فاعل في المجتمع يطمح أن يكون ريادياً .. فهناك العديد من التعريفات :
أولا:تعريف المثقف في الفكر الغربي:

نذكر هنا تعريفين هما:
تعريف إدواد شينز( المثقفون هم قطاع بين المتعلمين يسعون الى صياغة ضمير مجتمعهم ليتجه اتجاها راشدا ويؤثرون على القرارات الكبرى على هذا المجتمع )[17]

وتعريف بارنسنز( المثقفون هم المختصون بأمور الثقافة التي يضعونها فوق الاعتبارات اليومية المعتاده)[18]

ثانيا:تعريف المثقف في الفكر العربي:

المثقف هو : الإنسان الذي يتمثل قيم الثقافة العليا,و يسعى عبر نشاطه النظري والعملي إلى انجاز تعلقات الثقافة في الواقع الخارجي.[19]

ومن تعريفات المفكرين العرب للمثقف تعر يف إدوارد سعيد: بأنه شخص يتمتع بموهبة من حمل رسالة أو تمثيل وجهة نظر أو فلسفة وتجسيد ذلك و الإفصاح عنه إلى المجتمع وتنفيذ ذلك باسم المجتمع.[20]
ويذكر هشام الشرابي أن للمثقف خاصيتان هما:
الوعي الاجتماعي الذي يجعل هذا الشخص يتصور المجتمع من زاوية شاملة ويحلل قضاياه بشكل متماسك,

والثانية:الدور وهو النشاط الذي يقوم به صاحب هذا النشاط الاجتماعي في الواقع مستخدما تخصصه العلمي.[21]

ويظهر لنا أن اجمع تعريف للمثقف هو تعريف ادوارد شينز لأنه جمع في تعريفه الخصائص المكونة لشخصية المثقف.



رابعا:العالم

"عالم" له مفهومان مختلفان كل منهما له وجه حضاري متميز عن الآخر" حضارة إسلامية – حضارة غربيه"
1/ العالم في الحضارة الإسلامية:
إذا أطلق " عالم- وعلماء" يقصد به العالم بالدين الإسلامي, وقد يوصف بالعالم الشرعي, والمقصود به أيضا العالم بالدين الإسلامي بشموله. لا أنه عالم بالشريعة فقط دون العقيدة والأخلاق .
وأساس هذه التسمية نصوص الشريعة فمنها قول النبي صلى الله عليه وسلم " العلماء هم ورثة الأنبياء"
ولا يعني ذلك نفي صفة العلم عن المعارف الأخرى, مثل:علم اللغة أو الطب بل يصفونها بالعلم وطالبها بالعالم, لكن منسوبا لفنه فيقال: عالم الطب, وعالم اللغة .
*موقع العالم الشرعي بالنسبة للمثقف:
وهنا نسترجع علاقة الثقافة بالعلم الشرعي وهي التي يكون فيها العلم الشرعي بصورتين وهي:
1/ صورة يتفقه فيها العالم الشرعي في تعاليم الدين بشموله, ثم يسعى لإصلاح الواقع البشري في جميع جوانبه الإيمانية, العبادية, الخلقية, التشريعية, فهو متفقه في الدين, متصور للواقع, يسعى لتقويم هذا الواقع .
فالعالم الشرعي بهذه الصورة مثقف حتى وإن لم يتسم بذلك, لأنه مستوفي العناصر الأساسية لشخصية المثقف .
2/ صورة آل إليها الكثير من علماء الأمة في عصر الضعف, وهي عندما أصبحت هذه العلوم تخصصات مستقلة عن بعضها, ونازعة للتجريب, بحيث أن طالب العلم يتجه إلى تخصص معين ثم يغرق فيه ويعالج دقائقه, منعزلا عن فنون العلم الشرعي ومنعزل عن واقع الحياة .
فهذا النوع من العلماء لا يصدق عليه وصف مثقف, لافتقاده عامة العناصر الأساسية, وكذلك لا تنطبق عليه مواصفات العالم الشرعي على الرغم من تمظهر هذا الصنف بالعلم .
2/العالم في الحضارة الغربية:
العالم في الحضارة الغربية المعاصرة يراد به, المتخصص بالعلوم التجريبية التي تسمى "البحتة"أو "التقنية .

*موقع عالم الكيمياء والفيزياء والرياضيات بالنسبة للقب المثقف:
هؤلاء لا يوصفون لمعارفهم هذه بالمثقفين, لأن معارفهم ليست من عناصر الثقافة, أما أن يتجاوز العالم من هؤلاء تخصصه, نحو تفاعل مع مجتمعه في تلك العناصر فإنه قد يصبح مثقفا لهذا التفاعل لا لتخصصه العلمي .[22]



خامسا :النخبة المثقفة.
المقصود بالنخبة: مجموعة من المثقفين يمثلون طليعة الأمة، ويمتلكون موقع الريادة الفكرية بالدرجة الأولى.
والبقية (المعلمون، الصحفيون..) أتباع لهؤلاء النخبة.
والغالب أن في المجتمع أكثر من نخبة، فالنخبة من هذه النُّخَب هي: قيادات فكرية ريادية تنـزع منـزعاً متقارب الاتجاه وإن اختلفت في التفاصيل وتسمى عندنا ’’تيارات‘‘ مثالها: القوميون،اليساريون، الماركسيون، الإسلاميون.
وفي بلادنا العربية تنقسم النخب المثقفة الى قسمين رئيسيين:

1) النخبة العصرانية بمشتملاتها :
(اليساريين، والماركسيين، والقوميين، والناصريين،واليسار الإسلامي)وهي النخبة المنفعلة بالعصر الحاضر.
وتعرف العصرانية بانها: الانفعال بالمعطيات الاجتماعية والفكرية للحضارة الغربية في مؤسّساتها ونظمها ومناهجها الفكرية ومدارسها الأدبية والفنية، وربط الإنسان والمجتمع بها بحيث تكون لهذه المعطيات السبق على الثوابت.
والعصرانيون هم الذين يقودون مجتمعاتهم نحو هذا الانفعال ولو على حساب المسلمات الدينية.


2) النخبة الاسلامية بأجنحتها المتعددة:
الإسلامي هو المنسوب للإسلام وحقيقة الانتساب تكون بالتزام المنتسِب بالمنتَسَب إليه. فالمثقف الإسلامي هو الملتزم في فعله الثقافي بالإسلام في مبادئه الكلية وتشريعاته التفصيلية. والإسلاميون يتفاوتون بحسب التزامهم بتلك المبادئ والتشريعات.
وهناك تصنيف تقريبي لفئات المثقفين الإسلاميين يقسمهم الى فئتين :

الاولى: ذووا المنهجية الشرعية :
ذووا المنهجية الشرعية (النقلية) الذين أثرت عليهم الدراسات النقلية ( التفسير ، الحديث ، العقيدة وهكذا .... ) سواء كانوا علماء شرعيين أو كانوا ممن عنده دراسات في هذا الجانب .


الثانية: أصحاب المنهجية الفكرية:
وكثير من هؤلاء يكونون من أصحاب التخصصات المعاصرة مثل القانون وعلم الاجتماع وعلم النفس..الخ ، ولديهم خلفية شرعية لكنها ليست بالدرجة التي صبغت منهجيتهم.[23]

وسيأتي تفصيل هذه النخب من خلال اوراق العمل القادمة بإذن الله.






هذا ما تهيأ إيراده وتيسراعداده وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المراجع:
1- القرآن الكريم .
2- مختار الصحاح .. للشيخ الإمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي .
3- لسان العرب لابن منظور.
4- التعريفات للجرجاني .
5- الصحاح للجوهري.
6- الموافقات، ابراهيم بن موسى الشاطبي.
7- المدخل إلى الثقافة الإسلامية .. تأليف :د. خالد بن عبد الله القاسم , د. إبراهيم بن حماد الريس , أحمد بن عثمان المزيد , د. إدريس بن حامد محمد _ رحمه الله _ , د. علي بن عبد الله الصياح .
8- المثقف العربي بين العصرانية والإسلامية .. تأليف : أ.د. عبد الرحمن بن زيد الزنيدي .
9- مقدمات في الثقافة الإسلامية .. تأليف : د. مفرح بن سليمان القوسي .
10- الحضور والثقافة والمثقف العربي وتحديات العولمه/نجيب محفوظ .
11- المثقفون في الحضارة العربية /محمد الجابري .
12- المثقف العربي همومه وعطاؤه .
[1] انظر : مختار الصحاح (84-85)
[2] سورة الأحزاب , آية (61)
[3] سورة النساء , آية (91)
[4] انظر : المثقف العربي (11-12)
[5] انظر : المدخل إلى الثقافة الإسلامية (9) , مقدمات في الثقافة الإسلامية (15)
[6] انظر : مقدمات في الثقافة الإسلامية (16)
[7] انظر : المثقف العربي (12-13)
[8] انظر : مقدمات في الثقافة الإسلامية (16-17)
[9] انظر : مقدمات في الثقافة الإسلامية (16-17)
[10] انظر : المثقف العربي (17)
[11] الصحاح، للجوهري، دار العلم للملايين، بيروت، (6/268).
[12] التعريفات، للجرجاني، دار الكتاب العربي، بيروت،(1/199).
[13] الموافقات، ابراهيم بن موسى الشاطبي(2/113ـ131).
[14] ينظر: الموافقات، للشاطبي(2/113ـ131).
[15] لسان العرب لابن منظور/(ص462 )
[16] لسان العرب/(ص)462
[17] صورة المثقف/(ص43)
[18] المرجع السابق /(ص25)
[19] الحضور والثقافة المثقف العربي وتحديات العولمة لنجيب محفوظ/(ص 29)
[20] المثقف العربي همومه وعطائه/ (ص23)
[21] المرجع السابق/(ص44)
[22] ينظر كتاب المثقف العربي بين العصرانية والإسلامية أ.د. عبد الرحمن بن زيد الزنيدي (من ص53 إلى ص60)

[23] ينظر كتاب المثقف العربي بين العصرانية والإسلامية(ص40)